فقام الناس إليه وكثر الكلام واللغط ، ولم يزل ابن يحيى يسكن ما عند الناس ، وساعده أشياخ مثله في حلمه وعقله.
قال الشيخ جمال الدين (١) : فسكنت الفتنة وتركوا حمل الأسلحة ، ولم تزل كلمة المجاورين والخدام واحدة يهمّ كبيرهم ما يهمّ صغيرهم ، ويقومون لقيام أضعفهم ، وهم اليوم في خلف نرجو من الله صلاحه ، تستعين إحدى الطائفتين على الأخرى بغير جنسهم ليهينوهم ويذلوهم ، فإنا لله وإنا إليه راجعون ، أعاذنا الله من شرور أنفسنا ومن الشيطان الرجيم.
وكان علي بن يحيى وزيرا للأمير منصور لا يخرج عن رأيه ، وربما كان يستخلفه على المدينة في بعض الأحيان لوثوقه بعقله ، وحسن رأيه وسياسته للأمور. توفي رحمهالله في سنة سبع وعشرين وسبعمائة.
ثم ولي الوزارة يوسف بن مقدم ، وكان من بيتها وأهلها ، إلا أنه شدد وأخذ الناس بالهيبة والقوة حتى استغاث الناس منه ، فعزل وبعده أقام ابن يحيى من السوقة الذين ليس لهم قدم في الرئاسة حسنة ، فصارت سيئة ، فوليها ابن النجار وعلى يديهما انتشر ، وسبب محاولتها خرّج أهلها من المدينة وتمكن منها عدوهم.
وكان مثل ابن يحيى المتقدم في العقل والسياسة والرئاسة نجم الدين يوسف الرومي ، وكان وزيرا للأمير طفيل ، رحمهالله توفي سنة خمس وثلاثين وسبعمائة ، وهو الذي أنشأ الدرجة الموجودة اليوم لبئر أريس بقباء ، عمرها في سنة أربع عشر وسبعمائة.
وكان الجماعة الخرازون قد ابتدؤا في عمارتها ، فسألهم أن يتركوا ذلك له ليفوز بحسنتها ، وكان الحامل لهم على ذلك أنهم كانوا إذا جاؤوا إلى مسجد قباء لا يجدون ما يتوضؤن به إلا من الحديقة الجعفرية ، فكانوا يتحرجون من دخولها لما سمعوا أنها مغصوبة من ملاكها.
وكان هؤلاء الجماعة ـ رحمهمالله ـ قد خرجوا لعمارة بئرين بذي الحليفة ، كانتا مردومتين ، غير البئرين اللتين عند المسجد اليوم ، وخرج
__________________
(١) هو : المطري ، وقد تقدم.