معهم جماعة كثيرة من الخدام والمجاورين ، وتبعهم من الناس خلق كثير ، فكانوا ينيفون على المئة ، وأقام الناس على حفرها وبنائها نحوا من شهر ، وفي كل يوم يأتيهم من المدينة ما يكفيهم من الطعام ، وكان أكثر ذلك من عند الخدام.
وكان الشيوخ يحفرون بأنفسهم حتى إن الشيخ محمد الخراز وقع عليه وهو في البئر حجر فشج وجهه ورأسه ، وأيقنوا بوفاته فنزلوا به على أعواد كالميت وتركوه في بيته ، ولم يقطعهم ذلك من العمل ، وما ظنّ أحد أنه يعيش منها ، فسلمه الله تعالى بحسن نيته.
وعاش إلى أن توفي في سنة إحدى وأربعين وسبعمائة ، وانتفع الحاج بهاتين البئرين نفعا عظيما ، واليوم أكثر العرب يستقون منها ، وكانوا يفعلون في المساجد الدامرة والأوقاف الخربة كذلك.
واليوم نحن في حال غير ذلك الحال ، كان الخدام ذلك الزمان يثابرون على فعل المعروف ، ويزدحمون على مواساة الفقير ، ويرحمون الشيخ الكبير ، ويقيلون عثرة الصغير ، ويسترون عورات الناس.
وكان كبار الخدام يجلسون مع شيوخهم بعد صلاة العصر على الدكة التي بين باب جبريل وباب النساء ، فلا يمر صغير إلا أغاثوه ورحموه ، ولا يمر بائع حطب أو حشيش قد كسدت بضاعته ، إلا شروها بأوفى ثمن ليفرجوا عنه من غير حاجة منهم إليه ، ولا يمر بهم صغير من أولاد المجاورين إلا فرحوا به وقبّلوه ولطفوا به ، يشركون فقراءهم في معلومهم.
إذا غضب أمير المدينة على أحد من المجاورين طلع أكابرهم إلى القلعة ، ودخلوا على الأمير وخلصوه ، وربما طيبوا نفس الأمير بشيء من مالهم.
وكذلك إن وقع أحد في غرامة ، أو جناية ، أو دين ثقيل ، أغاثوه وساعدوه ، ولم يزل المجاورون يعرفون لهم حقهم ، ويصبرون على جفوتهم وعلى عزتهم عليهم ، وعلى ما عساه يصدر منهم ، لأجل ما يصدر منهم من الإحسان واللطف والحمية ، ونرجو من الله أن يعيد تلك المؤاخاة ، ويلم شعث المصافاة.