فإن قلت : أين أولئك الناس الذين هم الناس؟
قلت : نرجو أن يعود ذلك قريبا ؛ لأن الجامع باق لا يبيد ولا يفنى ، وهو السنّة المحمدية ، والشريعة السنية العلية ، فتجمعنا إن شاء الله السنّة التي تخلصنا من أهل البدعة ، فنكون إن شاء الله تعالى أخوة متناصرين ، وعلى الخير متعاونين ، لا يأتينا الشيطان من طريق ولا باب ، ولا يكلمنا عدو بظفر ولا ناب.
(أُولئِكَ حِزْبُ اللهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [المجادلة : ٢٢].
واتفق في بعض السنين تضييق على القاضي سراج الدين (١) من الأمير ، وطلب منه عشرة آلاف درهم ، فتنكد من ذلك وجاء إلى الخدام ، وشكى إليهم فأدخلوه الحجرة ومنعوا أحد يصل إليه ، ثم إنه خدع فخرج فطلبه الأمير إلى القلعة ، ومنعه من النزول للصلاة ثم خلوا سبيله ، واحتالوا عليه حتى أخذوا منه ما طلبوا.
فعزّ ذلك على الخدام وأشاعوا القضية ، فوصل الخبر إلى السلطان ، فاحتاط على خبز الأمير ، وعزل عنه غلمانه ونوابه ، فاعتذروا بأن الأمير ما أخذها إلا قرضا ، ودفعوا المال لوكيل القاضي ، وجاءته الدراهم محمولة إلى المدينة.
وكم أعدد من محاسنهم ، وأذكر من مآثرهم ، وكلما ذكرت القوم وصفاتهم ازدادت الحرقة وثارت اللوعة لفقدهم ، تغمدهم الله برحمته ، وأسكنهم فسيح جنته.
صاحت بهم حادثات الدّهر فانقلبوا |
|
مستبدلين عن الأوطان أوطانا |
أخلوا مدائن كان العزّ مفرشها |
|
واستفرشوا حفرا غبرا وقيعانا |
وكان على طريقة الوزيرين المتقدمين في العقل والرئاسة ، وجمع الكلمة وتسديد الأمور ؛ عز الدين حسن بن علي سنجر (٢) المسكي ، كان
__________________
(١) هو : سراج الدين عمر بن أحمد الدمنهوري. وقد تقدمت ترجمته.
(٢) ذكره في «التحفة اللطيفة» ١ / ٢٧٩ (٩٣٢) ، نقلا عن ابن فرحون ، «الدرر الكامنة» ٢ / ٢٤ (١٥٣٢).