وزيرا للأمير طفيل رحمهالله ، وكان عاقلا حليما سايسا للأمور ، لم ينخرم نظام دولة الأمير طفيل إلا بعد وفاته.
وسأذكر من قضاياه الحسنة قضية واحدة تدل على غيرها.
وهي : أن الأمير طفيل كان في سنة ست وأربعين قد نفد ما في خزانته من التمر ، فوفد عليه جماعة من العرب يطلبون الكيل من عنده ، وكان التمر في المارستان فاضلا عما يحتاجه الفقراء ، فأخبره بعض الناس بذلك وزيّن له طلب ذلك التمر من القاضي والشيخ على سبيل القرض إلى أيام الصيف ، وكان القاضي يومئذ تقي الدين الهوريني (١) ، فأرسل إليهما الأمير طفيل في ذلك ، وطلب منهما نحو خمسمائة صاع ، فلم يمنعاه ، وألانا القول لرسوله ، فطمع الأمير طفيل في قضاء حاجته ، وأخبر وزيره المذكور بذلك ، فنزل من عنده واجتمع بالقاضي نور الدين الزرندي (٢) ، وقال له : قد علمت أن الأمراء كالأسود ، إذا لاحت لهم فريسة وثبوا عليها من غير نظر في العواقب ، وقد بلغني ما أجاب به القاضي رسول الأمير في قضية كذا ولم يرضني ذلك ، وأنا أسأل من إحسانك أن تجتمع بالقاضي وتأمره بالتصميم على المنع في هذه القضية.
فقال له القاضي نور الدين : هذا يدل على كمال عقلك وحسن نظرك ، ولكن ينبغي أن تخبرني بوجه المفسدة التي نخشاها؟
فقال له : اعلم أن الأعداء كثير ، والضد قائم ، وأخذ تمر المارستان فيه شناعة ، وربما أشاع الأعداء عند السلطنة أن الأمير طفيل أخذ تمر المارستان قهرا ، فيترتب على ذلك ما لا يخفى عليك.
فشكره القاضي نور الدين الزرندي على ذلك ، واجتمع بالقاضي وأخبره بذلك فسرّ القاضي بذلك ، فلما جاءه رسول الأمير يستنجز وعده قال له : لا سبيل إلى ذلك ، وأغلظ له في القول ، فأخبر الأمير وزيره بذلك ، فقال له : لا تتكلم في ذلك ، وخوفه من العواقب ، فرجع الأمير إلى قوله وسكت عن القضية.
__________________
(١) هو : عبد الرحمن بن عبد المؤمن الهوريني.
(٢) هو : علي بن يوسف بن الحسن الزرندي.