فانظر إلى عقل هذا الوزير وحسن تدبيره وسياسته!! توفي رحمهالله في سنة ثمان وأربعين وسبعمائة.
وكان من أعظم الناس موالاة للمجاورين واختلاطا بهم القاضي نجم الدين مهنا (١) بن سنان ، كان هو القاضي في الحقيقة من بين سائر قرابته ، وبه يناط الحل والعقد ، وإليه ترجع محاكمات الشيعة وأنكحتهم وعقودهم وغير ذلك.
وكان مع هذا يتحبب إلى المجاورين ويمدحهم بالفضائل الحسنة ويستقضيهم الحوائج ، ويحضر مواعيدهم ومجالس الحديث ، ولا يصلي قط إلا في الروضة المشرفة ، وكان يستعمل التقية كثيرا.
وكان إذا نسخ كتابا ومرّ به ذكر أبي بكر وعمر رضياللهعنهما ، يترضى عليهم بالخط تقيّة ، وكان يحط على أصحابه من الفقهاء الإمامية ويتبرأ منهم ، وله فيهم هجو ظريف فمن ذلك قوله :
أرى الدنيا تميل عن الكرام |
|
وترغب في مصاحبة اللئام |
فيزداد اللئيم بذاك لؤما |
|
ويصبح ساحبا ذيل احتشام |
وينسب نفسه للعلم حمقا |
|
وعند الله فهو من الطّغام |
ويفتي المسلمين بغير علم |
|
ويخبط خبط عشوى في الظلام |
فكم أفتى بتحريم لحلّ |
|
وكم أفتى بتحليل الحرام |
فمن حفظ الزيارة فهو مفت |
|
يدرّس في الفروع وفي الكلام |
كذاك من اشترى كرّا وصلى |
|
عليه فإنه رأس السنام |
تشدّ إليه أكوار (٢) المطايا |
|
ويقصد في المهمات العظام |
ولو قد جاءه شخص كبير |
|
وباحثه لكان من العوام |
وما صلى وصام وقام إلا |
|
ليحفظ ما حواه من الحطام |
__________________
(١) هو : قاضي المدينة ، مهنا بن سنان بن عبد الوهاب بن نميلة الحسيني الإمامي ، كان حسن الفهم جيد النظم ، يترضى عن الصحابة إذا ذكروا ، ويتبرأ من فقهاء الإمامية ، توفي سنة ٧٥٤. ترجمته في : «الدرر الكامنة» ٤ / ٣٦٨ (١٠٠٣) ، «المغانم المطابة» الورقة ٢٦٧ / أ.
(٢) في (أ): «أطوار».