ويترضى عنهم ، ثم يذهب إلى بيته فيكفر عن ذلك بكبش يذبحه ويتصدق به ، يفعل ذلك كل جمعة عقب الصلاة.
ومما حكاه ابن جبير في «رحلته» وعده من غرائبه التي رأها في رحلته ، أنه قدم المدينة زائرا مع الحاج ، فحضر صلاة الجمعة وهم بالمدينة.
قال : فطلع الخطيب وكان من الشرفاء الإمامية فخطب ثم جلس في أثناء الخطبة ، وتقدم من عنده غلمانه يطوفون على الناس ويأخذون منهم شيئا للخطيب فجمعوا له شيئا ثم جاؤوا به إليه فرده ، وقال : لا يكفيني ، فعادوا على الناس الرجال منهم والنساء فزادوهم فلم يقبل ، والناس في ضيق من تأخير جمعتهم.
قال : ثم لم يزل كذلك حتى قرب وقت العصر فنزل وصلى (١).
ثم إن السراج (٢) تزوج بنت القيشاني وكان رئيس الإمامية وفقيهها ، حتى قيل : إن المدينة لم يكن بها من يعرف مذهب الإمامية حتى جاءها القيشانيون من العراق ، وذلك أنهم كانوا أهل مال عظيم ، فصاروا يؤلفون ضعفة الناس بالمال ويعلمونهم قواعد مذهبهم ، ولم يزالوا على ذلك حتى ظهر مذهبهم وكثر المشتغلون به ، وعضده الأشراف في ذلك الزمان ، ولم يكن لهم ضد ، ولا في مصر ولا في الشام من يلتفت إليهم ، لأن الملك العادل نور الدين الشهيد كان حاكما على البلدين ، لكن همه الجهاد ولا يستقر له قرار.
ثم ولي بعد الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب ، فسار على طريقة الملك العادل وزاد عليه ، وكان صاحب المدينة أبو فليته قاسم (٣) بن المهنا يحضر معه الفتوحات ، ويلازمه في الغزوات ، فلم يكن أحد يجسر على الكلام في الإمامية في ذلك الزمان.
__________________
(١) انظر رحلة ابن جبير ، ص ١٧٩ ، وما بعدها.
(٢) يعني : سراج الدين الدمنهوري. وقد تقدم ذكره.
(٣) هو : أبو فليته القاسم بن مهنا بن حسين بن مهنا الحسيني ، كان أمير المدينة في أيام الخليفة المستضيء بأمر الله ، وكان السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب يستصحبه معه في غزواته حتى حضر معه أكثر فتوحاته. ترجمته في : «التحفة اللطيفة» ٢ / ٣٧٨ (٣٤٥٨).