عبد المنعم كان وزيرا له ، وكان مدرسا في المدرسة الشهابية ، وكان يجلس للتدريس والسيف معروض بين يديه ، وكان مدرس المالكية يومئذ الشيخ أبا إسحاق له كتب في المدرسة بخطه أوقفها ، وكان منهم رجل صالح عالم مصنف وهو صاحب «الضوابط الكلية في علم العربية».
وكان منهم النظام له ذرية وكان لهم بالمدينة أملاك ، وذكر أنهم أقاموا في منصبهم مستضعفين يجنيهم الشرفاء ويؤذونهم ، فارتحلوا بأولادهم وتركوا أملاكهم.
وكنت أسمع من كبار أهل المدينة أن الشرفاء بعثوا إليهم وأمنوهم على أن يرجعوا إلى المدينة ، فلم يفعلوا حتى أخذت أملاكهم وتملكّت.
وبالمدينة موضع يسمى : «سيّما النظامية» منسوبا إليهم ، وكان موضع يقال له «الإماميّة» منسوب إلى إمام المسجد الشريف.
فلما قرر القاضي سراج الدين بالمدينة خطيبا فلطالما عملوا معه من القبائح والأذى ما لم يصبر عليه غيره فصبر واحتسب ، وأدركت من أذاهم له أنهم كانوا يرجمونه بالحصباء وهو يخطب على المنبر.
فلما كثر ذلك منهم تقدم الخدام وجلسوا بين يديه ، فكان هذا هو السبب في إقامة صف الخدام يوم الجمعة قبالة الخطيب ، وخلفهم غلمانهم وعبيدهم خدمة وحماية للقضاة ، وتكثيرا للقلة ونصرا للشريعة.
فانظر كيف كان اتحادهم واجتماع قلوبهم!! رحمهمالله تعالى.
وكان يصبح باب بيته عليه مغلوقا ، وفي بعض الأحيان يلطخونه بالنجاسة ويتبعونه بكل أذى وهو صابر ، وربما عذرهم لاحتراقهم على خروج المنصب من أيديهم بعد توارثهم له ، فقد كان سنان (١) قاضي المدينة خطيبها ، وكذلك ولده عبد الوهاب فيما يغلب على ظني.
حكى لي الشريف سلطان بن نجاد أحد شيوخ الشرفاء الوحاحدة قال : أدركت القاضي شمس الدين سنان يخطب على المنبر ويذكر الصحابة
__________________
(١) هو : سنان بن عبد الوهاب بن نميلة ، وقد تقدم ذكره.