يسمع في الدهور بمثله ، وكاد الخراب يستولي على وادي مصر ، حتى ذكر أن امرأة خرجت وبيدها مدّ جوهر فقالت : من يأخذه بمدين؟
فلم يلتفت إليها أحد ، فألقته ، وقالت : لا أريد شيئا لا ينفعني وقت الحاجة ، فلم يلتفت إليه ، واشتغل العبيديون بما أصابهم من ذلك ، فحينئذ تغلب الخلفاء العباسيون على الحجاز ، وأقيمت الخطبة لهم من ذلك العهد إلى يومنا ، والله أعلم.
وكان أخذ الخطابة من آل سنان في سنة اثنتين وثمانين وستمائة ، واستمروا حكاما على حالهم ، وكان لأهل السنّة إمام يصلي بهم الصلوات فقط ، وكان السلطان يومئذ الملك المنصور سيف الدين قلاوون الصالحي ، فأول خطيب خطب لأهل السنّة القاضي سراج الدين ، وكان السلطان بعد ذلك يبعث مع الحاج شخصا يقيم لأهل السنّة الخطابة والإمامة إلى نصف السنة ، ثم يأتي غيره مع الرجبية إلى ينبع ، ثم إلى المدينة ، وكل من جاء لا يقدر على الإقامة نصف سنة إلا بكلفة ومشقة ، لتسلط الإمامية من الأشراف وغيرهم عليه.
فأوّل من خطب السراج كما تقدم ، ثم من بعده شخص يقال له : شمس الدين الحلبي (١) ، ثم من بعده شرف الدين السخاوي (٢) ، ثم استقر سراج الدين المذكور خطيبا فخطب بالمدينة أربعين سنة ، ثم سافر إلى مصر يتداوى فأدركه الموت بالسويس متوجها إلى مصر ، وذلك في سنة ست وعشرين وسبعمائة.
وأما الأئمة من أهل السنّة فلم يزالوا بالمدينة قبل هذا التاريخ ، وأدركت ذرية لمحمد (٣) إمام الحرم ، كان معظما عند الشرفاء محببا إليهم ، وقد ملك أملاكا أصلهم من تمليك الشرفاء له كأثارب وغيرها ، وبلغني أن
__________________
(١) لم أعثر له على ترجمة.
(٢) هو : أبو عبد الله ، محمد بن موسى بن أبي بكر السخاوي القاهري المالكي ، قاضي طيبة ونزيلها ، ولد سنة تسع عشرة وثمانمئة ، توفي سنة خمس وتسعين وثمانمئة. ترجمته في :«التحفة اللطيفة» ٢ / ٤٣٩ (٣٦٤٣) ،.
(٣) يعني : أبا عبد الله محمد السخاوي ، المتقدم ذكره.