يقدر أحد على الكلام في ذلك والتقدم في الأمور لهم ، وأمر الحبس راجع إليهم ، والأعوان تختص بهم ، والإسجالات تثبت عليهم ، والسراج يستعين بأعوانهم وبحبسهم.
استمر ذلك الحال مدة السراج حتى مات ، وكان السراج ـ رحمهالله ـ يواسي الضعفاء ويتفقد الأرامل والأيتام ببره وزكاته ، ويقصدهم في بيوتهم بنفسه ، وكان لا يرد من سأله قرضا ، بل يأخذ منه ويعطيه ما أراد ، وكان قبل ولايته الحكم طوعا للناس الذين عاصروه من أهل الصلاح ، يصلي كما يشتهون من تطويل وتقصير ، وتكميل السورة في الركعة وملازمة الطيلسان ومسح جميع رأسه.
وكان إذا جلس للدرس ينتظر كبار أصحابه ، وكان مرارا يبعث إلى والدي وهو في بيته بأن الجماعة ينتظرونك ، فيتوضأ ويصلي الضحى ، ثم يخرج إليه فيجده جالسا مع الجماعة لم يشرع في الدرس.
فلما ولي الحكم تنكرت عليهم أخلاقه ، وصار يرمي عليهم كلمات يغيظهم بها وإن لم يكن تحتها طائل ، فنفرت نفوسهم منه ، وتفرقوا عنه.
كان يحضر درسه جمال الدين المطري ووالدي وجماعة المالكية وغيرهم ، والشيخ أبو عبد الله النحوي وكان من الأئمة الكبار ، يقال : إنه كان يتقن اثني عشر علما ، وكان منهم الشيخ عز الدين الزرندي ، وكان منهم الشيخ الأديب أبو البركات ، فما من هؤلاء أحد إلا نفر عنه ، وفارق درسه لما يسمع منه.
فجلس يوما في درسه فلم ير من الجماعة أحدا إلا من لا نوبة له فقال : أين أصحاب اليمين أين أصحاب الشمال؟ أصحابنا ضد الأنصار يكثرون عند الطمع ، ويقلون عند الفزع.
وقال له بعض الطلبة : قال الشيخ أبو إسحاق : في هذه المسألة كذا ، فقال : قلقل الله أنيابه.
فقيل له في ذلك ، فقال : تقلقلت منذ زمان ، وإذا قيل له قال النووي قال : كذا نعلك النووي.