أن الذي بيدي من الأموال هي لي ، فبئس الظن ، إنما هي أموال المسلمين وأنا خازنهم عليها ، فلا أخونهم فيها. ثم قال : لي بمدينة حمص ثلاثة دكاكين ملكا وقد وهبتها لها فلتأخذها.
قال ابن الأثير : وكان بالجزيرة رجل من الصالحين ، وكان نور الدين يكاتبه ، فبلغه أن نور الدين يدمن اللعب بالكرة. فكتب إليه بقوله : ما كنت أظنك تلهو وتلعب وتعذب الخيل بغير فائدة.
فكتب إليه بخطه : (والله ما يحملني على ذلك اللهو والبطر ، إنما نحن في ثغر العدو قريب منا ، وبينما نحن جلوس إذ يقع صوت فنركب في الطلب ولا يمكننا ملازمة الجهاد شتاء وصيفا إذ لا بد للجند من الراحة ، ومتى تركنا الخيل على مرابطها صارت جماما لا قدرة لها على إدمان السير في الطلب ، ولا معرفة لها بسرعة الانعطاف والكر والفر في المعركة ، فقصدنا أن نروضها بهذا اللعب).
فانظر إلى هذه النية الصالحة في اللعب وكان لا يفعل شيئا إلا بنية صالحة ، وكان رحمهالله متبعا للشريعة وأوامرها ، وألزم بذلك أتباعه وذويه ، فمن ذلك : أنه كان يوما يلعب بالكرة بدمشق فرأى شخصا يكلم غلامه ، أعني الملك العادل فأرسل الملك العادل يسأل عن حاجة الرجل ، فأخبر أن فلان بن فلان قد جاء ومعه غلام القاضي ، وذكر أن له مع الملك العادل حكومة ، فرمى بالجوكان من يده وسار إلى القاضي.
وقال له : إني جئت محاكما فاسلك معي مثل ما تسلكه مع غيري ، فساوى بينهما وتحاكما ، فلم يثبت على الملك العادل شيء ، وكانت الحكومة في ملك.
فقال نور الدين للقاضي ولجميع من حضر : هل ثبت له عندي شيء؟
قالوا : لا. قال : اشهدوا أني وهبت له هذا الملك وهو له دوني ، وقد كنت أعلم أنه لا حق له عندي ، وإنما حضرت معه لئلا يظن أني ظلمته.