فيه ، وأباد تلك الدولة وأهلها ، وأزال الله تعالى عن المسلمين الذلة ، وأعقبهم بعد خوفهم أمنا ، فلله الحمد وله المنة.
وهذا الذي ذكرته قطرة من بحر ، فإن قصص صلاح الدين أمر عجيب ، واستيلاؤه على هذه أمر غريب ، ومن يومئذ ملك صلاح الدين مصر وأعمالها وأظهر العدل فيها ، وكثر من الأوقاف والمدارس وأنواع القربات ، ولم يزل بها حاكما حتى توفي الملك العادل ، فملك دمشق وكثيرا من أعمالها ، وهو الذي افتتح اليمن للملك العادل ، بعث أخاه إلى اليمن فملكها ، وكان أخوه فيها نائبا من جهة الملك العادل.
ثم في آخر الأمر ملك السلطان صلاح الدين جميع ما كان يملكه الملك العادل ، وخطب له في مصر والشام وحلب ، وجميع تلك الأعمال ، وكذلك في مكة والمدينة واليمن. ومع اتساع هذا الملك لم يخلف في خزانة ملكه بعد وفاته غير دينار واحد ، وستة وثلاثين درهما.
ولم يخلف ملكا ولا دارا ولا بستانا ولا مزرعة ، فإنه كان مغرما بالجهاد والنفقة فيه ، وبذل المكرمات على أمر الجيوش ، وكان يجلس في كل يوم وليلة مرة لبثّ المكارم ، وكشف المظالم ، ويجود قبل حصوله ، ويقطعه الناس قبل وصوله.
وكان يهب الأقاليم ، ولما فتح «آمد» طلبها منه ابن قر أرسلان فأعطاه إياها ، ولما فتح القدس جميع ما حصل له من الأموال فرقها على الأمراء وحبا بها الفقهاء ، والعلماء والزهاد ، ولم يرحل من القدس ومعه شيء لنفسه ، وكان الذي أنفقه يقارب مائتي ألف دينار وعشرين ألف دينار ، ثم جاءه وفود ولم يبق معه درهم واحد ، فباع فرسه من بيت المال وفرق ثمنها عليهم ، وكرمه أظهر من أن يسطر ، ومع ذلك فما سمع يقول : أعطينا فلان كذا ، وما منعه من الحج إلا اشتغاله بالجهاد ، وضيق ما في يده مع المملكة الواسعة ، لكنه كان قد أسقط جميع المكوس والأعشار من البلدان.
وكان ـ رحمهالله ـ حسن العقيدة ، قد أخذ عقيدته عن الدليل بواسطة البحث مع المشايخ أهل العلم ، وكان يقرئ تلك العقيدة أولاده الصغار ويقرؤنها عليه من حفظهم ، وكان شديد المواظبة على الجماعة ، وإذا مرض