فلما أدخلوا النصارى إلى مصر ورأوها ، طمعوا فيها كما طمع فيها أسد الدين ، فلما انصرفوا إلى بلادهم تجهزوا لذلك وحملوا عليه ، فلما تحقق العاضد ما عرضوا عليه ، بعث إلى نور الدين يستنجده عليهم ، فسيّروا إليه أسد الدين وصلاح الدين ، ومعهما الجيوش ، فسبقوا النصارى إلى مصر ، وحموها منهم فرجعوا خائبين ، وأقام أسد الدين في مصر ومعه صلاح الدين ، وصارت لهما يد على العاضد يدلان بها عليه ، وعلما أنهما لن يصلا إلى مقصودهما مع وجود الوزير.
وصار أسد الدين يأمر في البلد وينهي مدلا عليهم بما فعله معهم ، ويظهر لهم نصحا وصداقة ، ويريد أن يصل إلى مقصوده بالاستدراج ، وكان رأي صلاح الدين غير ذلك ، فلم يزل صلاح الدين يتوقع قتله لوزير العاضد حتى ظفر به في الطريق في خلوة ، فقبض عليه ولم يكن ذلك بأمر عمه أسد الدين وقيّده ، ثم قتله بأمر العاضد ، وتوزر أسد الدين للعاضد أشهرا يسيرة ، ثم توفي إلى رحمة الله.
فقام صلاح الدين مقامه واستمال قلوب الناس بالسخاء والبذل حتى قويت شوكته ، ونفذت كلمته ، وتمكن من الخزائن والذخائر ، فصار ينفقها في الأمراء والجند ووجوه الناس ، فلم ينتبه العاضد لنفسه حتى وجد نفسه وحيدا فريدا ، فكتب الملك العادل إلى الملك الناصر يحضه على قطع اسمهم من الخطبة ، وأن يخطب للخلفاء العباسيّين ، فحاول هذه القضية أياما حتى وجد عليها مساعدا ، وأمر أن يخطب للخليفة المستضيء بأمر الله فخشي الخطيب من ذلك ، ولم يمكنه المخالفة ، فخطب ودعا للخلفاء المهديين ، فبلغ ذلك العاضد.
فقال : هل سموا في الخطبة أحدا؟ قيل له : لا. قال : سيسمون في الجمعة الآتية. ولم يمكنه مقاومة صلاح الدين فسكت ، وانقطع في بيته وتمرض ، فخطب في الجمعة الآتية للإمام المستضيء بأمر الله.
فقيل : إنه كان عنده خاتم تحته سم فامتصه ، وبقي أياما ثم هلك ، وذلك في سنة سبع وستين وخمسمائة.
فقبض السلطان صلاح الدين على أولاد العاضد وملك القصر وما