وأما المعزّ فكان يسرّه ما ينزل بالمسلمين من الفرنج ، واحتجب عن الناس بمصر ، ثم ظهر وأوهم الناس أن الله تعالى رفعه إلى السماء ، وأخبرهم بما كان يصدر منهم في أيام تحجبه بما يخبره به الجواسيس ، فامتلأت قلوب العامة والجهلة منه ، واستدعى فقيه الشام أبا بكر بن محمد الرملي ويعرف بابن النابلسي ، فحمل إليه في قفص خشب فأمر بسلخه فسلخ حيا ، وحشا جلده تبنا وصلب رحمهالله ، وكان يقول وهو يسلخ : (كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً) [الإسراء : ٥٨].
وأما المسمى بالحاكم فأمر بكتب سبّ الصحابة على حيطان الجوامع والقياسر والشوارع ، وكتب السجلات إلى سائر الأعمال بالسبّ ، وفي أيامه طوف برجل مغربي ونودي عليه : هذا جزاء من يحب أبا بكر وعمر ثم ضربت عنقه ، وأمر بقطع لسان أبي القاسم الواسطي أحد الصالحين بسبب أنه أذّن في بيت المقدس وقال في أذانه : «حيّ على الفلاح» ، وكانت ولايتهم على الناس محنة من الله تعالى.
وكان ضرر هؤلاء على الإسلام أشد من ضرر الكفار ، وفي أيامهم استعاد النصارى القدس الشريف من المسلمين وبقي بأيديهم نحو ثلاث وتسعين سنة ، حتى فتحه الله تعالى على يد السلطان صلاح الدين رحمهالله ، وكان ظهوره منّة من الله تعالى على العباد والبلاد ، محا الله به هذه الدولة الخبيثة.
وكان قد دخل مصر مع عمّه أسد الدين شير كوه ، وكان عمّه أسد الدين قد بعثه الملك العادل نور الدين المتقدم ذكره ، فلما رأى أسد الدين مصر وأهلها طمع في استمالتهم وعلم أنهم ليس لهم صحبة ، ولا للعاضد منهم نجدة ، فلما رجع إلى نور الدين أخبره بذلك فجهزه بالجيوش والأموال ، فبلغ ذلك العاضد وزيره المسمى شاور ، فاتفقا على منعه من الدخول إلى مصر ، وعلما أنه لا طاقة لهم به ، فاستنجدوا بمن قرب منهم من النصارى ، وكانت السواحل كلها للنصارى ، فأنجدوهم ومنعوا أسد الدين وصلاح الدين من الدخول ، ولهم في ذلك قصص عجيبة لا يسع ذكره هنا.