محمد بن إبراهيم المؤذن بعد العصر فيستدنيه فيقرأ قريبا منه ، فلا يزال يبكي حتى تبلّ دموعه ثيابه ، رحمة الله عليه.
ولما كان في سنة خمس وعشرين وسبعمائة في شهر رمضان ، كان الأمير منصور نازلا في عربه في أعز ما يكون ، وآمن ما يكون ، وكان حرّيثه بن قاسم بن جماز أخو فضل بن قاسم نازلا معه ، وكان آمنا من جهته ، فخلا به يوما فضربه بالرمح فقتله ، وظن أنه ينجو على فرس كانت هناك ، فأدركه بعض أصحاب الأمير فمسكوه وقتلوه في تلك الساعة. وكان مولد الأمير منصور رحمهالله في سنة خمس وخمسين وستمائة.
ثم تولى إمارة المدينة كبيش بن منصور وكانت ولايته نحو سنة وخمسة أشهر ، ولم تصف له تلك الأيام.
ولما كان في سنة سبع وعشرين في صفر جاء ودي وولده عسكر وجماعة من أصحابه ، فدخلوا المدينة على غفلة في وقت السحر من ناحية ذروان ، وكان في المدينة طفيل نائبا عن كبيش ، فالتقاهم في ذروان (١) ، فقتل هاشم بن علي وسنان ، وانكسر طفيل وجماعته ، فخرج من درب البلاط ونجى بنفسه وأصحابه ، واستقر ودي في المدينة وتوجه طفيل إلى السلطان فأخبره الخبر وأقام في مصر ، فطمع ودي في مرسوم السلطان ، فجهّز خيلا وهدية وتوجّه إلى السلطان في شهر رمضان من السنة المذكورة ، فلما دخل على السلطان قبل الخيل والهدية ، واستمهله حتى انسلخ شهر رمضان.
فلما كان ليلة العيد مسكه وقيده وحبسه ، ورجع طفيل إلى كبيش عند العرب فجهز كبيش خيلا هدية وبعثها مع طفيل إلى السلطان ، فوصل بها في الثاني عشر من شهر شعبان سنة ثمان وعشرين ، فقبلها السلطان.
فلما كان في الحادي والعشرين من الشهر المذكور ، وصل الخبر إلى مصر أن أولاد مقبل بن جماز قتلوا الأمير كبيش في يوم الجمعة سلخ شهر رجب من السنة المذكورة ، فأعطى السلطان إمارة المدينة للأمير
__________________
(١) تحرف هذا الاسم وأصبح يعرف ب «ضروان» ، وهو موضع البئر التي ألقي فيها سحر النبي صلىاللهعليهوسلم.