ثم قال لكل من الحاضرين : ما اسمك؟ فإذا عرفه قال له : ما بلدك؟
فإذا أخبره قال له : دونك بلدك ، فإن تخلفت حل مالك ودمك. وتبعهم بهذا الكلام واحدا واحدا ، ثم قام فحصل للناس هم وغم ، وبقوا في شدة عظيمة خصوصا من له عيال.
فقال لهم شيخ الخدام الحريري : لا يهمنكم ما وقع ، من كان معه شيء فليكتر لنفسه ، ومن كان فقيرا فأنا أحمله وأحمل عياله حتى تبلغوا مأمنكم ، وبعث لبني سالم وغيرهم من العربان يأتونه بالجمال ، وكان للأمير منصور زوجة صالحة.
فقالت له : يا منصور هب أنك تسلم من الملك الناصر ، ألا تخاف من يسمع بذلك من العربان كآل فضل وخالد وبني لأم ، فإنهم يرون هذا منا كفرا. ولم تزل به حتى أرسل إلى الجماعة بأنهم يستقرون على أنهم لا يكتبون فيه ، ولا يشهدون عليه. وكان بعض الشياطين أشار عليه بأن يأخذ الخمس من الناس ، فوكل بذلك شخصا من أهل الشر يزعم أنه من كبار المجاورين الناصحين لهم ، فكان يأتي الرجل الصالح في رباطه والمرأة الصالحة في رباطها فيقول : كم جاءك يا فلان في هذه السنة من الصدقة؟
فيقول له : كذا وكذا. فيكتب ما قيل له ويزيد عليه ، ويتتبع الوظائف كلها فيأخذ منها الخمس من كل خمسة دراهم درهم ، وضاق الناس من ذلك واستمر ذلك ثلاث سنين ، ثم قطعه الله تعالى.
واتفق أن طلع عليه والدي ـ رحمهالله ـ لما طلب منه ذلك ، فلما رآه الأمير منصور قال له : ما اسمك؟ فقال له : فلان. فقال له : كم لك في المدينة؟ فقال له : نحو عشرين سنة. فقال له : أنت عندنا هذه المدة ولا نعلم بك ما أظنك إلا رجلا جيدا.
ثم قال له : أشهدك الله هل تعلم أن الذي أطلبه منك حق عليك أم لا؟
فقال : اللهم لا. فقال الأمير لغلمانه : لا تتعرضوا له.
وكان له اعتقاد حسن وفيه شفقة ورحمة ، كان رحمهالله يحضر ميعاد