ثم استدعاهما السلطان الملك الناصر ، وتهددهما على ما فعل منصور ، وشرط عليه شروطا أنه لا يؤذي المجاورين والخدام ، وأنّ ولده كبش يحمل عياله إلى مصر ويقيم عند السلطان ، ثم أخلع عليهما وخلّا سبيلهما.
واتفق في أول يوم من المحرم بعد مسك منصور ورحيل الحاج من المدينة ، أن الأمير ودي وأولاد مقبل أغاروا على المدينة ، فخرج إليهم جماز بن منصور فقاتلهم ، فقتل من أهل المدينة نحو سبعة أنفس ، ورجع جماز إلى المدينة ، ثم بعد ذلك بأيام أغاروا مرة ثانية ، فملكوها وخرج جماز بن منصور منها ، فوصل الخبر إلى السلطان ومنصور عنده ، فسير معه عسكرا عدتهم تسعون فارسا تركا وعربا ، فوصلوا إلى المدينة في شهر ربيع الأول من سنة سبع عشرة وسبعمائة ، فامتنع أولاد مقبل من الخروج ساعة ، ثم رأوا أن لا طاقة لهم بالحاضرين فخرجوا على خيولهم هاربين ، فأرسل منصور خلفهم فمسك مبارك بن مقبل ، ثم منّ عليه وخلا سبيله ، وبقي العسكر في المدينة يومين أو ثلاثة ثم رحلوا منها ، فجمع ودي وأولاد مقبل عربا كثيرة وساعدهم قتادة صاحب ينبع فحاصروا المدينة ، فخرج منها منصور هو وولده كبش وتوجها إلى السلطان ، فوجدوا في طريقهم عسكرا ، وجهه السلطان إلى مكة ومقدمهم سيف الدين أيدمش ، فسألهم المساعدة على ودي ، وأن يمكنوه من المدينة. فاستمهلوه وكتبوا إلى السلطان بذلك ، وساروا إلى مكة ، فبعث إليهم السلطان يأمرهم بنصرته ، فقدموا معه إلى المدينة ، فخرج إليهم ودي وأولاد مقبل وجرى بينهم قتال ، وقتل ماجد بن مقبل ، وكانت الواقعة في شهر جمادى الأولى من السنة المذكورة ، وانكسر ودي وجماعته ، وتسلم منصور المدينة ، ودخلها العسكر فنهبوها حتى القلعة وبيوت الشرائف ، وأقاموا نحو ثلاثة أيام ، ثم رحلوا ، واستمر ودي وأصحابه يغيرون على المدينة إغارة بعد إغارة.
ولما استقر الأمير منصور في المدينة نزل من الحصن وجلس في وسط الحرم ، وقال : اجمعوا كل من في المدينة من المجاورين والخدام فجمعوا.
وكأنه تخيل أنّ ما جرى عليه من المسك والاعتقال كان عن مكاتبة من الخدام والمجاورين.