فوقع الحسد والتباغض والتدابر بين الأمير منصور وإخوته إلا القليل ، وطلع الأمير منصور إلى القلعة الموجودة اليوم ، وكان الأمير جماز قد بناها لنفسه ليتحصن فيها ويكشف منها ضواحي المدينة ، فلما خلع نفسه عن الولاية نزل إلى داره التي في عرضة السوق المعروف بدار حرثمة ، واستقر فيها إلى أن مات في سنة أربع وسبعمائة.
ثم إن أولاد الأمير جماز انفردوا وأمّروا عليهم أخاهم مقبلا ، وصاروا يحاصرون المدينة ولا يقدرون عليها ، ثم إنه اتفق في سنة تسع وسبعمائة أن سافر الأمير مقبل إلى الشام لبعض مصالحه ، فلما عزم على السفر إلى إخوته استعمل سلما طويلا مفصلا يتركب بعضه في بعض ، وهو اليوم موجود في الحرم الشريف.
فلما حاذى المدينة ساروا إليها مع جماعة يسيرة من أصحابه ونصب السلم على الحصن ودخله على غفلة ، وذلك في ليلة السبت ثامن عشرين شهر كذا من السنة المذكورة وكمن في الحصن إلى الصباح ، ولم يكن بالمدينة غير كبش بن منصور ، فظن مقبل أن أهل المدينة لا يواجهونه بالمقاتلة نهارا ، وأن كبشا ينجو بنفسه من الذبح هاربا ، فلما علم بهم كبش استصرخ بأهل المدينة فأصرخوه وقاتلوا معه ، فقتل الأمير مقبل وقتل أيضا أبناء أخيه جوشن وقاسم أبناء قاسم بن جماز ، فعظمت الواقعة على أولاد مقبل وإخوته ، فقدموا عليهم الأمير ودي بن جماز وقاموا في طلب الثأر ، واستحكم بينهم الفساد ، وكثرت بينهم الحروب ، وعظمت على منصور النفقات للجيوش.
فلما كان في سنة ست عشرة وسبعمائة حصل له ضيق وشدة ، فطلب من الخدام المخبزين ألف درهم من كل واحد ، فامتنعوا وقالوا : لا نفعلها سنّة أبدا ، فأنزل منهم جماعة في الجبّ ، فجاءه بعض المجاورين وقالوا : نحن نتقدمهم في النزول ، ووقع في ذلك كلام كثير ، ثم فرج الله عنهم.
فبلغ ذلك السلطان ، فأمر أمير الحاج المصري بمسك منصور ، فلما قدم أمير الحاج مسك الأمير منصور وولده كبش وسار بهما معتقلين إلى مصر ، فلما دخل الركب إلى القاهرة رسم عليهما في دار الضيافة نحو شهر ،