نفقته ، وكان غالب عيش المدينة من زرعها وزرع السوارقية ، لا يأتي من الشام إلا قليل ، حتى كان السعيد يدخل بيته جمل أو جملان ، وكان للدارب على من يشتري شيئا مكس كثير ، وخراج عظيم.
قال : فاشتريت حمل قمح ، فلما دنوت من الدرب ، قال لي صاحب الجمل : أنا ما أدخل به أخاف أن أطالب بخراجه.
قال : فقلت له : سق الجمل وأنا أتكفل بما يريدون منك ، ففعل ، فلما أردت الدخول قرأت أوائل سورة (يس) وتعوذت ودخلت مع الجمل فلم يرونا ، ولا عرفونا ، فجاءهم من ذكر لهم أني اشتريت حمل قمح فقالوا : لم يدخل به من عندنا ولا رأيناه ، فدفع الله شرهم عنه بصدقه وضرورته لعياله ، فمن كان مع الله كان الله معه ، توفي رحمهالله يوم الخميس الرابع عشرين من شهر ربيع سنة إحدى وعشرين وسبعمائة ، جدّد الله عليه الرحمة.
ورآه أخي علي في المنام بعد وفاته ، فقال له : يا سيدي ما فعل الله بك؟ قال : أعطاني وحباني ، فها أنا في مقعد صدق عند مليك مقتدر.
وأما أخي نور الدين أبو الحسن علي (١) واسمه من العلو والدين ، مع ما حوى من علم الفقه والأصول والعربية والحديث واللغة والمعاني والبيان والأدب ، مع المشاركة العظيمة في سائر العلوم ، وكان قد بلغ في العلوم الأدبية إلى النهاية.
فإن قلت : لم يكن في زمانه بالمدينة والحجاز من برع براعته ، ولا ساد سيادته ، مشاهدة حق عليها كل الخلق ، ممن جل ودق ، وكان يلقي درس الفقه في «مختصر ابن الحاجب» ، فيحضره الشيخ حسن الحاحائي ، والشيخ عبد السلام بن غلام ، وكانا من الفقه بمكان ، لم يلحقهما في علمهما وعملهما مثلهما وقد تقدم ذكرهما ، وكانا يدققان معه في البحث المتين فيظهر بذهن ثاقب وحفظ معين.
وله تواليف مفيدة في العربية والحديث واللغة والتصوف ، وله «ديوان»
__________________
(١) ترجمته في : «التحفة اللطيفة» ٢ / ٢٩٥ (٣٠٧٦) ، «المغانم المطابة» الورقة ٢٥٢ / ب ، «الدرر الكامنة» ٣ / ١١٥ (٢٦٣) ، «شجرة النور الزكية» ٢٠٣ / ٦٩٩.