كبير في مدح النبي صلىاللهعليهوسلم ، وفي مدح غيره ، وله مجلدات من جمعه مشتملة على فوائد وغرائب.
وكان الشيخ الإمام العلامة حجة العرب ، وترجمان الأدب ، سراج الدين الدمنهوري قد جاور في المدينة في سنة خمس وأربعين وسبعمائة ، فكان إذا جلس في درس يقول للطلبة : إذا حضر الفقيه نور الدين فأحضروا معكم الدواة والورق ، حتى تقيدوا من فوائده ومن أشعاره واستشهاداته ، فكان كذلك.
وكان هذا الشيخ سراج الدين الدمنهوري من العلماء الأستاذين الذين انفردوا في زمانهم عن أقرانهم بعلوم جمة ، كالقراءات والعربية واللغة ، مع الفقه الغزير ، والمشاركة في كثير من العلوم ، ولكن كان في تلك العلوم في أعلا درجاتهم من الحفظ والذكر.
عرضت عليه شرحي وإعرابي «لبانت سعاد» ، المسمى ب (شفاء الفؤاد من بانت سعاد) ، فوجدته في مذاكرتي له بحرا زاخرا ، وكان أخي علي أحيانا يأتيه فيتعجب من حفظه وذكره ويقول لي : قلّ أن رأيت مثله. توفي رحمهالله في ثاني شهر ربيع الأول في سنة اثنتين وخمسين وسبعمائة.
وكان لأخي ميعاد وعظ يقرأ في كلّ جمعة بعد الصلاة على كرسي عال بالروضة المشرفة بصوت حسن وأداء حسن ، لا يمل السامع من قراءته بل يتلذذ بإطالته ، وكان وعظه من كلام ابن الجوزي في (التبصرة) ، فكان بعض الناس يقول : عاش ابن الجوزي للناس.
وكان ـ رحمهالله ـ هو أول من اتعظ بقوله وانتفع بوعظه ، فصار يلازم الصيام ويسرده ويقوم من الليل أكثره ، ورقّت نفسه ودرّت دمعته كأنه يقرب الأجل ، فبادر للعمل. كان رحمهالله يقول : والله ما ندمت على ما أفنيت فيه عمري من الاشتغال بعلم الأدب ، يا ليته كان في الكتاب والسنّة.
كان يرى لي أكثر ما يرى الولد لوالده في التعظيم والحباء والإكرام ، وأما الغيرة علي والانتصار لي ، واهتمامه بحالي وما يعرض لي من عدو شافي فلا يوصف قدره ، فلله دره ، وبلّ بالرحمة قبره.