توفي رحمهالله في يوم الجمعة الثالث والعشرين من شهر جمادى الآخرة سنة ست وأربعين وسبعمائة. ومولده ليلة الجمعة العشرين من ربيع الأول عام ثمانية وتسعين وستمائة.
وأما أخي محمد ـ رحمهالله تعالى ـ فكان على طريقة والده من العزلة ، ومحبة الوحدة والخلوة ، وقلة الخلطة. كان بي حفيا ، وفي دينه قويا. صبر على مجاهدة النفس في العبادة ، حتى صارت له سجية وعادة.
كان ـ رحمهالله ـ من عظم شفقته عليّ يجلس دائما على طريقي إلى الصف الأول ، فلا يمر يوم حتى يقف معي ويسألني عن حالي ويدعو لي بقلب صاف ، وودّ واف ، ومتى فقدني في وقت صلاة ، وقف علي في بيتي وسأل عن حالي.
خلفه ولده محمد فسلك طريقته ، وزاد بصحبة المشايخ والفقراء والأخذ عنهم ، له اشتغال في الفقه والنحو واللغة ، ومع ذلك تراه كأنه أحد الترابية ، أعانه الله ووفقه.
وكانت وفاة أخي محمد رحمهالله في شهر جمادى الأولى سنة خمس وخمسين وسبعمائة ، ومولده ليلة السبت سلخ شوال سنة سبعمائة ، تغمده الله برحمته ، وأسكنهم فسيح جنته ، كما نقلهم من لين المهود ، إلى ضيق اللحود ، فما أعظم مصيبة فراق الإخوان ، وقولي كان فلان وفلان ، رب ارزقني صبرا فلم يبق إلا القليل ، ومتعني بسمعي وبصري وكلاهما عليل ، والله تعالى هو الباقي بعد كل خلّ وخليل.
لو أنّ ما أبقت الأيام من جسدي |
|
يكون فوق خباب الماء ما غرقا |
أو كان في مقلة نامت لما انتبهت |
|
أو كان في لهوات الماء ما شرقا |
يا رب اعترتني أسقامي حتى نحلت ، وكرّ عليّ الجديدان (١) حتى ذبت ، وازددت وهنا وضعفا لما طعنت ، فإن سألتني : ما حالك؟
__________________
(١) الليل والنهار.