الشيخ وكونه لم يقبل الفقراء ، ولم يعزّ عليه وقوفهم بين يديه كاشفين رؤوسهم ، وقبل شفاعة ابن أبي النصر ، فجمعوا خواطرهم عليه فمرض من حينه ، واشتكى حتى طلب منهم التحليل والرضا ، فنفد سهمهم وانقضى فيه الأمر فقضى.
أخبرني أقضى القضاة جمال الدين المطري ـ وكان ملازما خدمتهم لأن مسكنه في الحجرة التي عند باب رباطهم ـ : أنّ الشيخ أبا محمد لما دخل مكة المشرفة قصد زيارة الشيخ نجم الدين الأصبهاني (١) ، فلما جلس إليه أراد أن يسأل الشيخ نجم الدين عن اسمه ، فبدره الشيخ نجم الدين ، وقال له : اسمي مكتوب بين عينيك ، ففهم الشيخ مقاله ، وأنه كاشفه ، وأن اسمه كاسمه عبد الله رحمهماالله.
ولما عزمت على التوجه إلى مكة المشرفة في طريق المشيان في حال الشبوبية ، أظنّه عام عشر وسبعمائة ، جاء والدي إلى الشيخ أبي محمد فأخبره بعزيمتي. فقال له : ابعثه إليّ ، فجئته.
فقال : بلغني أنك تريد مكة المشرفة.
فقلت : نعم يا سيدي ، لأجل العمرة في رمضان.
فقال لي : من رفيقك؟ فذكرت له جماعة من الفراشين وغيرهم.
فقال لي : ليس في هؤلاء من هو من جنسك ولا من يليق بك ، ولكن اصبر قليلا حتى ننظر لك.
فقلت له : ضاق الوقت ، وقد دخل شهر رمضان ومضى أكثره.
فقال لي : اسمع ما أقول لك ، فذهبت عنه ووثقت بوعده ، فما كان إلا قليلا إذ ورد المدينة زائرا الشيخ محمد بن عمران الخضري وجماعة من الصالحين ، فدعاني الشيخ وقال لي : سافر مع هذا ، فسافرت معهم ، فرأيت
__________________
(١) لعله الشيخ عبد الله بن محمد بن محمد الأصبهاني ، نجم الدين الشافعي : ولد سنة ثلاث وأربعين وستمائة ، صحب أبا العباس المرسي والعماد الحرامي ، كان عابدا صالحا وللناس فيه اعتقاد ، مات في جمادى الآخرة سنة إحدى وعشرين وسبعمائة. ترجمته في : «الدرر الكامنة» ٢ / ٣٠٢ (٢٢٣١) ، «شذرات الذهب» ٨ / ١٠١ ، «العقد الثمين» ٥ / ٢٧١ (١٦٢٦).