من الشيخ محمد بن عمران وأصحابه من الخدمة والشفقة والمؤانسة ، ما لو كان والدي معي لم يرفأ بي كذلك ، ولم أحمل معهم غير عصاي التي كانت بيدي ، رحمهمالله أجمعين.
فدخلت مكة ليلة الثامن والعشرين من رمضان ، وخرجت يوم العيد متوجها إلى المدينة مع الشيخ الصالح محمود اللاري ، ذي الأخلاق الحميدة ، والمعاشرة الجميلة ، والديانة التامة ، والمبادرة إلى انتظار الصلوات من أول الأوقات ، فصحبته في الطريق فكان نعم الصاحب ، وكان ذلك بإشارة الشيخ أبي عبد الله النحوي ، وإشارة أبي عبد الله الشريف الفاسي رحمهماالله ، فوصلت المدينة في ستة أيام ، وذلك كله ببركة الشيوخ وخاطر والدي رحمهالله.
وكان الشيخ أبو محمد البسكري قد ابتلي في آخر عمره بالبواسير ـ نسأل الله العافية لنا ولكم ـ فانقطع في بيته ولزم حجرته ، وقاسى منها مقاساة عظيمة حتى كان يقول : لو جاز لي أن أسأل الله تعالى لي الموت لسألته ، من شدة ما قاسى ، رحمهالله.
وله من المناقب والأحوال العلية ما لا أحصيه عدّا ، ولا ينتهي حدّا ، نفع الله به. وهو صاحب القصيدة المشهورة المباركة التي أولها :
دار الحبيب أحق أن تهواها |
|
وتحنّ من طرب إلى ذكراها |
ورأى بعض الصالحين النبي صلىاللهعليهوسلم وأشكّ هل كان هو الشيخ ـ رحمهالله أو غيره؟ وأنشد هذه القصيدة فلما بلغ آخرها.
وهو قوله :
والحمد لله الكريم وهذه |
|
نجزت وظنّي أنه يرضاها |
فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : رضيناها رضيناها (١).
وأمّا من بعده في هذا المقام الرفيع ، والمرتع المريع ، فصاحبه الشيخ عبد الواحد الجزولي ، كان فيه من الشدة في الدين ، وقوة اليقين ، مع العلم
__________________
(١) وممن ذكر ذلك أيضا : السخاوي في «التحفة اللطيفة» ٢ / ٦٦ ، والسمهودي في «وفاء الوفا» ٤ / ١٤٢١ ، وذكر القصيدة بتمامها.