ولرب ليل في الخطوب كوحلة |
|
صابرته حتى ظفرت بفجره |
ومع ذلك فالخير كله في الحلم والصبر ، ودفع السيئة بالحسنة ، وفي تقوى الله جماع خيري الدنيا والآخرة. توفي الشيخ عز الدين رحمهالله في إحدى وأربعين وسبعمائة.
ثم سكن الحجرة مسكن الشيخ عز الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن محمد بن أبي بكر مرزوق التلمساني (١) رحمهالله ، وكان من أحبابي الكبار ، وأصحابي الأخيار ، بل لم أصحب مثله في الناس ، ولم أرى مثله على قياس ، أقام بمكة قبل أن يأتي المدينة ، فلزم الطواف حتى زمن وأقعد.
فلمّا قدم المدينة لزمني ولزمته ، فمنّ عليه بالعافية ، وأول ما نزل نزل في بيتي ، وكان معه ولده الفقيه العلامة الخطيب المشهور اليوم في بلاد المغرب بالعلوم والفوائد ، والتصانيف والرئاسة ، وأحبّه الملوك وأحبته الرعية لما اشتمل عليه من المحاسن والعلوم ، ثم تسلّط عليه أعداء حساد ، فامتحن بهم ، ثمّ نجاه الله من كيدهم ، وحصل له أسوة بأهل الخير من السلف الصالح.
وكان قدومهم هذا إلى المدينة في عام ثمانية وعشرين وسبعمائة ، وكان الولد أبو عبد الله المذكور حينئذ لم يبلغ الحلم ، فاشتغل بالعلم حتى رجعا إلى بلدهما تلمسان ، فأقاما سنتين ثم رجعا إلى المدينة ، فأقام الشيخ ورجع ولده ، واستقرّ الشيخ في الحجرة المذكورة ، ثم انتقل إلى بيتي ، ثم اشترى نصف دويرة وسكنها حتى سافر إلى مكة ، ومات بها في سنة أربعين أو إحدى وأربعين وسبعمائة.
كان له من الكرامات والأحوال الجليلة العزيزة اليوم ما لا يحصر ولا يعدّ ، منها أنّه سلط عليه شخص من بلاده يقال له : عثمان بن المعذور ، كثير الشر يطلب منه كل حين النفقة ، ويشغب عليه وقته بكثرة التّردّد إليه ،
__________________
(١) ذكره السخاوي في : «التحفة اللطيفة» ١ / ١٤٤ (٢٢٩) ، نقلا عن ابن فرحون ؛ «الدرر الكامنة» ١ / ٢٩٩ (٧٥٤).