ومن خلال ذلك ، أفاض المؤلف في سير الأئمة المبرزين والحكام الصالحين ، فأطنب في وصف حياتهم الخاصة ، وسرد القصص التي تعبر عن كريم أخلاقهم وحميد صفاتهم ، وأبرز دورهم ودور أهل عمان في الدفاع عن العروبة ضد العناصر غير العربية ـ وخاصة العجم ـ حينا ، وفي الدفاع عن الإسلام ضد الطامعين المشركين ـ وخاصة من الأحباش والهنود ثم البرتغاليين ـ أحيانا.
وتمشيا مع هذا التيار ، نلاحظ أن المؤلف يتحاشى الدخول في تفاصيل بعض ما لا يحب أن ينسب لتاريخ عمان وأهل عمان ، مثل حركة الردة. فمن المعروف أن غالبية أهل عمان تمسكوا بالإسلام ؛ وتحولوا بسرعة من مسلمين إلى مؤمنين ، بحيث أن حركة الردة ـ بعد وفاة الرسول (صلّى الله عليه وسلم) ـ لم تجد استجابة في عمان إلا من فئة قليلة تزعمها ذو التاج لقيط بن مالك الأزدي ، حتى أخضعهم أبو بكر فعدوا إلى الإسلام. ولكن المؤلف اختار ألا يدخل في تفاصيل مثل هذا الحادث العارض ، وكأنه حرص على ألا يشوه الصورة النقية الصافية التي يمثلها غالبية أهل عمان ، وأسقط ذلك التصرف العابر الذي أتته أقلية ، والذي لم ينفرد به عمان وحده ، وإنما كان له شبيه في أكثر من جزء من أجزاء شبه الجزيرة العربية.
ومن ناحية أخرى فإن المؤلف كثيرا ما أطلق العنان لقلمه ، ليعبر عن أحاسيسه ومشاعره ، فنراه بين حين وآخر يسطر عبارة أو يسجل كلمات تعكس ما يحس به من ألم وأسى إزاء ما كان يحدث أحيانا من اشتداد الفتن واستحكام المنازعات بين القبائل بعضها وبعض أو بين الحكام المتنافسين ، مما ترك أثرا عميقا في تاريخ البلاد والعباد.
ومن المعروف أن عصور الفتن والمنازعات الداخلية تمثل دائما حلقات معتمة في التاريخ ، تتشابك فيها الأحداث وتتداخل الصور والانعكاسات ،