تلك الليلة فرق الوالى العسكر يدورون في البلاد ـ كأنهم يسيرون ـ وتعاهدوا أن يلتقوا على مانع من اليمين والشمال ، فلم يدر مانع إلا وقد [م ٣٥٦] أحاطت به الرجال من يمين وشمال ، فأخذ حينئذ قهرا ، وقتل صبرا وتفرقت جنوده ، وقتل من بقى معه.
ثم إن الإمام جهز جيشا وجعل عليه علي بن أحمد ، وعضده ببنى عمه من آل يعرب وأمره بالمسير إلى قرية جلفار ـ وهى الصير ـ وكان المالك لها يومئذ ناصر الدين العجمي ، وعنده عساكر من العجم فحصرهم علي بن أحمد بحصن الصير ، فنصبوا له الحرب ، وقوي بينهم الطعن والضرب وظاهرتهم فرقة من أهل الصير على جيش الإمام.
وكان بحصن الصير برج معتزل له جدار متصل بالحصن ، وفيه قوم تقاتل بالليل والنهار ، وكانت غربان (١) النصارى في البحر تدفع بمدافعها المسلمين عن الحصن فعزم المسلمون على الهجوم على البرج ، فهجموا عليه ليلا وأخذوه قهرا ومالوا على الحصن فافتتحوه ، وجعل فيه قائد (٢) الجيش واليا.
ثم أقبل بعض الجيش ، وفيهم الدهامش وخميس بن مخزوم [فزحفوا بجلفار](٣). وكان فيها حصن على [م ٣٥٧] الساحل للأفرنج ، فدخل الجيش [تلك الجهة](٤) نهارا ، واحتووا عليها ، وحصروا من كان في الحصن ، وبنوا فيها حصنا فذلت دولة المشركين ، وطلبوا الصلح ، فصالحهم الوالي ، فهبطوا من الحصن فجعل الوالى فيه واليا ، وترك معه بعض العسكر.
__________________
(١) الغربان ومفردها غراب ، نوع من السفن الحربية تركب فيها المقاتلة والرماة (ابن مماتى : قوانين الدواوين ص ٣٣٩ ـ ٣٤٠)
(٢) في الأصل (قايد)
(٣) ما بين حاصرتين إضافة للإيضاح (الفتح المبين لابن رزيق ، ص ٢٤٧)
(٤) في الأصل (فدخلها الجيش نهارا) وما بين حاصرتين إضافة للتوضيح