واستعدت الفرس لقتاله ومعهم الفيلة ، فلما قربوا من عسكره عبّأ أصحابه راية راية ، وكتيبة كتيبة ، وجعل على الميمنة ابنه هناءة ، وعلى الميسرة ولده فراهيد (١). [م ٢٣٨] وأقام هو وبقية أولاده في القلب.
والتقوا هم والفرس ، واقتتلوا قتالا شديدا. ودارت رحى الحرب بينهم مليّا من النهار ، ثم انكشف العجم ، وكان معهم فيل عظيم ، فتركوه ، فدنا منه هناءة فضربه على خرطومه ، فولّى وله صياح ، وتبعه معن بن مالك ، فعرقبه فسقط.
ثم إن العجم ثابوا (٢) وتراجعوا ، وحملوا على الأزد حملة رجل واحد ، فجالت الأزد جولة ، ونادى مالك : «يا معشر الأزد! اقصدوا إلى لوائهم فاكشفوا اللواء». واختلط الضرب ، والتحم القتال ، وارتفع الغبار ، وثار العجاج حتى حجب الشمس ، فلم يسمع الإ صليل الحديد ووقع السيوف ، وتراموا بالسهام فانفصدت (٣) ، وتجالدوا بالسيوف فتكسرت ، وتطاعنوا بالرماح فانحطمت ، وصبروا صبرا جميلا ، وكثر الجراح والقتل في الفريقين.
ثم لم يكن للفرس (٤) ثبات ، وولوا منهزمين على وجوههم ، فاتبعتهم فرسان الأزد ، يقتلون ويأسرون من لحقوا منهم ، فقتلوا منهم خلقا كثيرا. وجعلوا يطلبونهم [م ٢٣٩] حيثما لقوهم وأدركوهم ، ولم يغب عنهم إلا من ستره الليل وتحمل بقية الفرس في السفن ؛ وركبوا البحر إلى فارس.
__________________
(١) في الأصل (هناة ... وفراهيدا).
(٢) في الأصل (تابوا).
(٣) أي تفصدت.
(٤) في الأصل (ثم لم يكن فرس ثبات).