وتبرز هذه الجوانب بوضوح في المخطوطة التي نقدمها اليوم محققة للباحثين في التراث العربي الإسلامي بوجه عام ، وفي التراث العماني بوجه خاص. وتوجد من هذه المخطوطة نسخة في المكتبة الظاهرية بدمشق تحت رقم ٣٨٥ ، ضمن مجلد يحوي عدة مخطوطات أخرى متنوعة. وهي تبدأ في هذا المجلد بصفحة ٢٢٧ ، وتنهى فيه بصفحة ٤١٨ ، أي أنها تقع في نحو ١٨٦ صفحة.
والكتاب لمؤلف مجهول ، والنسخة التي بين أيدينا نسخها أحد النساخ ـ واسمه أبو سالم عبيد فرحان ـ نسخها بيده لسيده ومولاه ناصر بن محمد بن سيف بن أحمد المعولى ، وذلك سنة ١٣١٣ ه. أما تاريخ تأليف الكتاب فغير معروف ، وربما كان قريبا من الفترة التي توقف عندها المؤلف ، وهي نهاية عهد سلطان بن مرشد اليعربي ، وانتقال ملك اليعاربة إلى أحمد بن سعيد سنة ١١٥٤ ه (١٧٤١ م).
ويبدو من صفحات هذا الكتاب مدى اعتزاز أهل عمان بجذورهم الحضارية القديمة ، وتاريخهم العريق ، وأصالتهم الراسخة ، إذ يحرص المؤلف على الإشارة إلى أن سليمان بن داود ـ عليه السلام أقام بعمان عشرة أيام ، وأنه حفر فيها عشرة آلاف نهر أو فلج. وأنه إذا كان الكثير من تلك الأنهار قد ردم وطمس ، فإن الفرس هم الذين فعلوا ذلك عند ما احتلوا هذه الأرض قبل الإسلام وعاثوا فيها فسادا.
كذلك يبدو من صفحات الكتاب مدى اعتراز أهل عمان بعروبتهم. فالمؤلف يتخذ من مالك بن فهم الأزدي بطلا قوميا ، أشبه بالأبطال الذين يعتز بهم كثير من الأمم والشعوب ، ويعتبرونهم المؤسسين الأوائل لهذه الأمة أو تلك. فمالك بن فهم هو البطل العربي الذي طرد الفرس من عمان ، وبالتالي فإنه المؤسس الأول لأمة عمان العربية. وسيرته في الكتاب تتصف بكل ما تتصف به سير الأبطال في الملاحم الشعبية من مثالية وسمو.