ويسير علينا أن نعزو عدم العناية بشؤون دويلات هذا الإقليم وأسره الحاكمة إلى ضعف اتصالها بالتيارات الكبرى في التاريخ الإسلامي ، وإن يكن ليس بالغريب أن نراه يجتذب اهتمام العلماء ، إذ هو مقر ملك قديم ، وموطن لحضارة بائدة لا يعرف عنها سوى القليل. على أن تاريخ اليمن في ظل النفوذ الإسلامي ليس بالمادة التي تشوق ، ولا بالتي يعزو فيها تلمس المعلومات. زد على هذا أن اليمن في العصر الحاضر تطل على إحدى الطرق العالمية الكبرى ، وثغرها الرئيسي ظل طيلة نصف قرن في قبضة الإنجليز (١) ، الذين ارتضى سكان المقاطعات المتاخمة حكمهم طائعين. فلا غروّ إذن أن نعتبر دراسة هذا الموضوع مقبولة لدى قراء الإنجليزية.
وعمارة اليمني من كتاب اليمن العديدين الذين تناولوا تاريخها الإسلامي ، وهو أولهم في هذا الميدان ، ويبزهم أهمية في بعض نواحيه. ولعل شهرته بين بني جلدته ترجع إلى ملكته الشعرية ، وإن كان قد خلد في أذهانهم حتى اليوم أنه رائد مؤرخيهم ، والكاتب الذي يدينون له بكل ما يسعهم الإلمام به من تاريخ بلادهم ، في حقبة تزيد في القليل على قرنين ونصف قرن من الزمان ، ومع ذلك فلم يحسن خلفاؤه توفيته دينه ، إنما اقتصر جهدهم اليسير على إعادة نقل ما كتبه في صور موجزة ، على تفاوت ، وإن كانت في عمومها تلتزم نفس ألفاظه.
وإذا كان كتاب عمارة قد حوى عيوبا ، فلقد كنا نتوقع الحرص على نصه ، ولكننا مع هذا وإلى عهد قريب لم نعلم بوجود نسخة أصيلة منه. فليس ثمة نص تضمه مجموعة المخطوطات الهامة التي وردت لنا في السنوات الأخيرة من اليمن. بل لقد شاع اعتقاد راسخ ، كما أعلم ، يبين العثور على نسخة من تاريخ عمارة كضرب من المستحيل ، لكن هذا الاعتقاد ما لبث أن تهاوى لحسن الحظ. إذ احتوت مكتبة المتحف البريطاني نسخة منه ، يرجع
__________________
(١) يشير المؤلف إلى احتلال انجلترا لعدن منذ سنة ١٨٣٩ إلى وقت ظهور الكتاب سنة ١٨٩٢. وهي مدة تزيد على نصف قرن.
أما الآن (تاريخ نشر هذه الطبعة فقد خرج الاستعمار من جنوب الوطن اليمني ، عام ١٩٦٧ م وتحقق وجود اليمن في الثاني والعشرين من مايو ١٩٩٠ م. الناشر ٢٠٠٤ م).