الكتاب إلى المهدي ، فلما قرأه ، وكان قد عرف الشاوري من وقت [أن] قدم عليه برسالة منصور وأنه يكمل للدعوة ، وخشي عجز أولاد منصور عنها ، ولم يكن ابن منصور علم بما في كتاب الشاوري ، فأجاب المهدي للشاوري بالاستقلال ، وعاد ولد منصور خائبا فعاد [إلى] البلاد ، وهو مضمر [الشر](١) ، فأوصل جواب المهدي إلى الشاوري وصار هو وإخوته يواصلونه ، وهو يكرمهم ويبجلهم ، ولا يحجب أحدا منهم ، بل يدخلون عليه متى شاؤوا بغير حاجب.
ثم إن الذي وصل من المهدي ، دخل عليه في بعض الغفلات فقتله ، واستولى على البلاد ، ولما صار مستوليا ، جمع الرعايا من أنحاء بلده وأشهدهم أنه قد خرج إلى مذهب السنة ، وترك مذهب أبيه ، فأعجب الناس ذلك وأحبوه ودانوا له. فدخل عليه أخ له اسمه جعفر فنهاه عما فعل ، وقبحه عليه ، فلم يلتفت إليه (٢).
فخرج عنه مغضبا ، وقصد المهدي إلى القيروان ، فوجده قد توفي ، وقام ابنه بعده ـ القائم ـ ، وذلك سنة اثنتين وعشرين وثلاث مئة ، أعني موت المهدي ، وقيام القائم (٣) ، فلبث ابن منصور عنده (٤).
ثم إن أخاه قتل أهل مذهب أبيه وشردهم ، حتى لم يبق حوله إلا من لا يعرف ، بل بقي في البلد جماعة قليلة ، يكاتبون بني عبيد بن ميمون إلى القيروان.
ثم إن ابن منصور خرج من مسور إلى عبر محرم المذكور أولا ، وكان
__________________
(١) في الأصل : السر.
(٢) ويقول الحمادي (كشف : ٤٠) قال جعفر بن منصور لأخيه الحسن : «إن أمرنا إذا يتلاشى ، ويزول ملكنا ، وتفترق هذه الدعوة ، ويذهب الناموس الذي نمسناه على الناس ، فلا تحدث نفسك بهلاكه فتهلك»
(٣) القائم بأمر الله الخليفة الفاطمي الثاني حكم (٣٢٢ ـ ٣٣٤ ه.).
(٤) وأضاف إدريس (عيون : ٥ / ٥٠): «وانتهى إلى أن بلغ مبلغا عظيما عند الأئمة ، وبلغ مراتب الأبواب الفائزين بعلو الدرجات» : راجع «الصليحيون» ٥٢ ـ ٥٤.