كان القاضي محمد علي ، والد الداعي علي بن محمد الصليحي ، سني المذهب وله طاعة في رجال حراز ، وهم أربعون ألفا ، ولما انتقلت الدعوة إلى سليمان (١) بن عبد الله الزواحي (٢) قرية من أعمال حراز [٢٥] شرع في ملاطفة القاضي محمد بن علي ، والد الداعي علي بن محمد الصليحي. فكان الزواحي يركب إليه ، لأن محمدا كانت له رياسة ، وسؤدد ، وصلاح ، وعلم ، فلم يزل سليمان (٣) حتى استمال قلب علي بن محمد ، وهو يومئذ دون البلوغ ، ولاحت له فيه مخايل (٤) النجابة. وقيل : كانت عند سليمان (٥) حلية الصليحي من كتاب الصور [٢٦] ، وهو من ذخائر الأئمة عليهم السلام ، فأوقفه منه على تنقل حاله ، وشرف مآله ، واستماله سرا من أبيه وقومه. ولم يلبث سليمان (٦) الزواحي (٧) حتى مات ، وأوصى له بكتبه وعلومه ، ولم يمت حتى قد رسخ [في ذهن علي من كلامه ما رسخ](٨) ، فعكف على الدرس ، وكان ذكيا ، فلم يبلغ الحلم حتى تضلع في معارفه التي بلغ بها ، وبالجد السعيد غاية الأمل البعيد. فكان عالما فقيها في مذهب الدولة (٩) ، مستبصرا في علم التأويل.
أخباره أنه قام يحج دليلا للناس عن طريق السراة (١٠) ، والطائف عدة سنين لا يحج بالناس غيره ، وتقلبت به الأحوال في بادىء عمره ، من خفض إلى رفع ومن ضر إلى نفع. فمن ذلك ما حدثني به الفقيه أبو الحسين علي بن سليمان ، وكان شاعرا قد أحسن ، ومن شعره قوله في عمر بن عدنان العكي :
إذا الليالي أساءت غير عالمة |
|
كان ابن عدنان لي من جورها جارا (١١) |
__________________
(١) في الأصل : عامر.
(٢) في الأصل : الرواحي ؛ انظر حاشية : ٢٥ (كاي).
(٣) في الأصل : مخائل. (انظر عيون : ٧ / ٣٨).
(٤) زيادة من وفيات ؛ وفي الأصل : لم يمت حتى قد عرس.
(٥) يقصد بذلك مذهب الدولة الفاطمية.
(٦) صفة : ٤٨ ؛ ١٠٩.
(٧) في الأصل : جوز جار وهو خطأ.