فرخصت فيها الأسعار إلى الغاية ، وانقمع أهل الفساد ، بحيث لم يتجاسر أحد منهم على حمل السلاح بمكة ؛ لأن مقدّم العسكر أمر بذلك.
واستمر هذا الحال بمكة ـ على ما ذكرناه ـ إلى انقضاء الحج من سنة إحدى وستين وسبعمائة ، ثم تغير ذلك لفتنة عظيمة وقعت بين بنى حسن من أهل مكة ، والعسكر الذى بها ، وهذا العسكر غير العسكر الذى قدم إلى مكة مع ابن عطيفة ، ومقدم هذا العسكر أميران ، أمير يقال له : قندس ، قدم من القاهرة فى جماعة ، وأمير يقال له ناصر الدين بن قراسنقر المنصورى ، قدم من الشام فى جماعة ، ليقيموا بمكة ، عوض العسكر الذى قدم مع ابن عطيفة ، وكان قدوم العسكر الذى مع قندس ، وابن قراسنقر إلى مكة فى الموسم من سنة إحدى وستين وسبعمائة.
وسبب الفتنة بين هذا العسكر ، وأهل مكة ، أن بعض العسكر رام النزول بدار المضيف عند الصفا ، فمنعه من ذلك بعض الأشراف ، من ذوى علىّ ، فتضاربوا ، وبلغ ذلك بنى حسن والترك ، فثارت الفتنة بينهم.
وقيل إن سبب الفتنة : أن بعض الترك نزل بدار المضيف ، فطالبه بعض الأشراف بالكراء ، فضرب بعض الترك الشريف ، فقتل الشريف التركى ، فثار جماعة من الترك على الشريف ، فصاح الشريف ، فاجتمع إليه بعض الشرفاء واقتتلوا ، وبلغ ذلك الترك وبنى حسن ، فقصد الأشراف أجيادا.
ووجدوا فى ذهابهم إلى أجياد (٢)، خيلا على باب الصفا (٣) ، للأمير ابن قراسنقر ، ليسقى عليها بعد طوافه ، فإنه كان ذلك اليوم ، ذهب للعمرة من التنعيم ، فركبها الأشراف ، وبلغ ابن قراسنقر الخبر ، وهو يطوف ، فقطع طوافه ، وتقدم للمدرسة المجاهدية ليحفظها ، فإنه كان نازلا بها ، وتحصن هو وبعض الترك فى المسجد الحرام ، وأغلقوا أبوابه ، وهدموا الظلة التى على رأس أجياد الصغير ، ليروا من يقصدهم من بنى حسن ، ويمنعوه من الوصول إليهم بالنشاب وغيره ، وعملوا فى الطريق عند المجاهدية أخشابا كثيرة ، لتحول بينهم وبين من يقصدهم من الفرسان ، من أجياد الكبير ، هذا ما كان من خبر الترك.
__________________
(٢) أجياد بفتح أوله ، وإسكان ثانيه ، وبالياء أخت الواو ، والدال المهملة ، كأنه جمع جيد : موضع من بطحاء مكة ، من منازل قريش البطاح. انظر : معجم البلدان ، ومعجم ما استعجم (أجياد).
(٣) باب الصفا : وهو باب الأندلس ، وهو موجود بتاهرت وهى مدينة مشهورة من مدن الغرب الأوسط على طريق المسيلة من تلمسان. انظر : الروض المعطار ١٢٦.