وقد سمعت صاحبنا الحافظ الحجة القاضى شهاب الدين أبا الفضل أحمد بن على بن حجر العسقلانى الشافعى ، وهو الآن المشار إليه بالتقدم فى علم الحديث ، أمتع الله بحياته ، يقول : إنه ذكر لمولانا شيخ الإسلام سراج الدين البلقينى ، شيئا من كلام ابن عربى المشكل ، وسأله عن ابن عربى. فقال له شيخنا البلقينى : هو كافر.
وقد سئل عنه وعن شىء من كلامه ، شيخنا العلامة أبو عبد الله محمد بن عرفة الورغمى التونسى المالكى ، عالم أفريقية بالمغرب. فقال ما معناه : من نسب إليه هذا الكلام ، لا يشك مسلم منصف فى فسقه وضلاله وزندقته. وهذا مما أرويه عن شيخنا ابن عرفة إجازة.
وسئل عنه شيخنا الإمام البارع ، قاضى الجماعة بالديار المصرية ، أبو زيد عبد الرحمن ابن محمد ، المعروف بابن خلدون الحضرمى المالكى ، فذكر فى جوابه أشياء من حال ابن عربى وأشباهه ، ونذكر شيئا من ذلك لما فيه من الفوائد.
أنبأنى القاضى أبو زيد عبد الرحمن بن خلدون الأصولى قال : أعلم أرشدنا الله وإياك للصواب ، وكفانا شر البدع والضلال ، أن طريق المتصوفة منحصرة فى طريقين :
الطريقة الأولى : وهى طريقة السنة ، طريقة سلفهم الجارية على الكتاب والسنة ، والاقتداء بالسلف الصالح من الصحابة والتابعين.
ثم قال : والطريقة الثانية : وهى مشوبة بالبدع ، وهى طريقة قوم من المتأخرين ، يجعلون الطريقة الأولى وسيلة إلى كشف حجاب الحس لأنها من نتائجها.
ثم قال : ومن هؤلاء المتصوفة : ابن عربى ، وابن سبعين ، وابن برجان ، وأتباعهم ، ممن سلك سبيلهم ودان بنحلتهم ، ولهم تواليف كثيرة يتداولونها ، مشحونة من صريح الكفر ، ومستهجن البدع ، وتأويل الظواهر لذلك على أبعد الوجوه وأقبحها ، مما يستغرب الناظر فيها من نسبتها إلى الملة أو عدها فى الشريعة.
ثم قال : وليس ثناء أحد على هؤلاء ، حجة للقول بفضله ، ولو بلغ المثنى ما عسى أن يبلغ من الفضل ؛ لأن الكتاب والسنة ، أبلغ فضلا وشهادة من كل أحد. ثم قال : وأما حكم هذه الكتب المتضمنة لتلك العقائد المضلة ، وما يوجد من نسخها بأيدى الناس ، مثل : الفصوص ، والفتوحات لابن عربى ، والبد لابن سبعين ، وخلع النعلين لابن قسى ، وعين اليقين لابن برجان ، وما أجدر الكثير من شعر ابن الفارض ، والعفيف التلمسانى وأمثالها ، أن تلحق بهذه الكتب ، وكذا شرح ابن الفرغانى للقصيدة التائية من نظم ابن الفارض.