وكثير من هذه المنكرات فى كلام ابن عربى ، لا سبيل إلى صحة تأويل فيها ، فإذا لا يستقيم اعتقاد أنه من أولياء الله ، مع اعتقاد صدور هذه الكلمات منه ، إلا باعتقاد ابن عربى ، خلاف ما صدر منه ، ورجوعه إلى ما يعتقده أهل الإسلام فى ذلك ، ولم يجئ بذلك عنه خبر ؛ لأنه لا يرى ما صدر منه موجبا لذلك ، ولأجل كلامه المنكر ، ذمه جماعة من أعيان العلماء وقتا بعد وقت.
وأما من أثنى عليه ، فلفضله وزهده وإيثاره واجتهاده فى العبادة ، واشتهر ذلك عنه ، حتى عرفه جماعة من الصالحين عصرا بعد عصر ، فأثنوا عليه بهذا الاعتبار ، ولم يعرفوا ما فى كلامه من المنكرات ، لاشتغالهم عنها بالعبادات ، والنظر فى غير ذلك من كتب القوم ، لكونها أقرب لفهمهم ، مع ما وفقهم الله تعالى من حسن الظن بآحاد المسلمين ، فكيف بابن عربى؟. وبعض المثنين عليه ، يعرفون ما فى كلامه ، ولكنهم يزعمون أن لها تأويلا وحملهم على ذلك كونهم تابعين لابن عربى فى طريقته ، فثناؤهم على ابن عربى مطرح لتزكيتهم معتقدهم.
وقد بان بما ذكرناه ، سبب ذم الناس لابن عربى ومدحه ، والذم فيه مقدم. وهو ممن كبه لسانه ، نسأل الله المغفرة.
وأما ما يحكى فى المنام ، من نهى ابن عربى لشخص من إعدام كتبه ، ممن يصنع ذلك فى الحياة ، وكذا ما يرى فى النوم من خصوص عذاب لشخص ، بسبب ذمه لابن عربى أو لكتبه ، فهو من تخويف الشيطان.
وقد بلغنى نحو ذلك ، عن الإمام البارع زين الدين عمر بن مسلم القرشى الشافعى ، خطيب دمشق ، وصح لى ذلك عنه.
وسمعت صاحبنا الحافظ الحجة ، القاضى شهاب الدين أحمد بن على بن حجر ، الشافعى يقول : جرى بينى وبين بعض المحبين لابن عربى ، منازعة كثيرة فى أمر ابن عربى ، حتى نلت منه لسوء مقالته ، فلم يسهل ذلك بالرجل المنازع لى فى أمره ، وهددنى بالشكوى إلى السلطان بمصر ، بأمر غير الذى تنازعنا فيه ، ليتعب خاطرى. فقلت له : ما للسلطان فى هذا مدخل ، ألا تعال نتباهل ، فقل أن تباهل اثنان ، فكان أحدهما كاذبا ، إلا وأصيب.
قال : فقال لى : بسم الله. قال : فقلت له : قل اللهم إن كان ابن عربى على ضلال ، فالعنى بلعتك ، فقال ذلك. وقلت أنا : اللهم إن كان ابن عربى على هدى ، فالعنى