وهو يصدق على السبب وعلى المسبب ، فشاركهم فى ظاهر الحال دفعا للوحشة الواقعة فى ذكر الجوع. قلت : وهذا من معالى الأخلاق وكريم الشيم ، وهو من معنى قوله تعالى : (وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) [الشعراء : ٢١٥].
وقال : سمعت الشيخ الصالح أبا محمد عبد الله بن عمران البكرى ، بمدينة رسول اللهصلىاللهعليهوسلم يقول : سمعت شيخنا أبا محمد عبد الله بن محمد المرجانى رحمهالله يقول : لا يجوز استنباط معنى من لفظ إلا بخمسة شروط : أن لا يخل بالفصاحة ، ولا بالمعقول ، ولا بالمنقول ، وأن يكون اللفظ يحتمله ، وأن يوجد من روحانية ذلك اللفظ.
قال لى صاحبنا أبو محمد عبد الله بن عمران ، رحمهالله : قال لنا شيخنا أبو محمد المرجانى،رحمهالله ـ لما ذكر هذا الشرط الأخير ـ معنى قولنا : إنه يوجد من روحانية ذلك اللفظ ، احترازا من أن يوجد من معنى يشبهه.
مثاله : ماء الورد وماء النسرين ، فكلاهما مشتبه ، ولكن لهذا خاصية ، ولهذا خاصية.
وقال : سمعت شيخنا أبا محمد عبد الله بن محمد بن أبى جمرة ، رحمهالله ، يقول : من أهل الله من يطلق له الإذن فى التصرف ، ومنهم من يكون إذنه المراجعة فى كل شىء. فقلت له : يا سيدى ، أيهما أتم حالا؟. فقال لى : وأين لذاذة المراجعة؟.
وقال : دخلت أنا وصاحب لى ـ سنة أربع وثمانين وستمائة فى شهر رجب ـ على الإمام تقى الدين أبى عبد الله محمد بن على بن وهب القشيرى زائرين ، ونحن عازمان على السفر إلى زيارة بيت المقدس. فقال لى ولصاحبى : اذكرانى فى دعائكما ، دعاء قصد وعبادة ، لا دعاء عادة ، فقلت له أنا : يا سيدى ، ما دعاء العادة؟ قال : مثاله الحارس فى السوق يقول : لا إله إلا الله ، ويرفع صوته ، قصده التعريف بأنه منتبه. قال : وشبهه قول الطالب للشيخ : ويغفر الله لنا ولكم. هى عادة بين الطلبة.
وقال : أنشدنى الإمام أوحد زمانه ، تقى الدين محمد بن الإمام القدوة مجد الدين أبى الحسن على المذكور أعلاه ـ يعنى ابن دقيق العيد ـ لنفسه :
تمنيت أن الشيب عاجل لمتى |
|
وقرب منى فى صباى مزاره |
لآخذ من عهد الشباب نشاطه |
|
وآخذ من عهد المشيب وقاره (٤) |
وأنشدنى أيضا لنفسه :
__________________
(٤) فى فوات الوفيات (٣ / ٤٤٤).
فآخذ من عصر الشباب نشاطه |
|
وآخذ من عهد المشيب وفاره |