الإمام الحافظ أبى القاسم بن زانيف ، وكان من أكابر علماء زمانه بمدينة فاس ، أنه كان يقول : النظر فى وجه الظالم خطيئة ، واستعظام ما هو فيه ، من الكبائر. ويشبه هذا الكلام ، أن يكون مرويا ، فإن مثله لا يدرك بالرأى.
قال : وسمعت الشيخ أبا البركات المذكور ، يعنى : مبارك بن على التنملى المراكشى يقول : كان أبو عبد الله محمد اللمدانى فى أول أمره ، مكاسا بمدينة تونس ، فلما تاب على يد الشيخ العارف القدوة ، أبى محمد عبد الله بن محمد المرجانى ، رحمة الله عليهم ، جمع جميع ما كان عنده من الأسباب ، فاجتمع من ذلك اثنا عشر ألف دينار ، ودنانير الغرب ، كل دينار عشرة دراهم. فحملها إلى الشيخ رضى الله عنه ، فقبض الشيخ ذلك منه ، ثم قال له : لابد لك من سبب تقيم به عيالك ، ولا شىء معك ، فردها عليه على وجه القرض بمثلها ، وتسبب أبو عبد الله اللمدانى فى ذلك المال ، وصار مهما فضل له شىء ، حمله إلى الشيخ حتى وفى جميع المال ، وتصرف فيه الشيخ ، رحمهالله ، على حسب ما يقتضيه نظره الصالح.
وقال : سمعت الشيخ الصالح أبا محمد عبد الله بن محمد المرجانى ـ رحمهالله تعالى ـ يقول : كنت فى حال الطلب ، أنسخ كتاب : «الإكمال» للقاضى عياض ، رحمهالله ، وكنت فى حال فاقة شديدة ، وكنت إذا نسخت الكراس ، أعرض على نفسى : أيما أحب إليك ، هذا الكراس أو وزنه دراهم؟.
فكنت أجد عندى أن الكراس أحب إلى من ذلك. وحكى ـ رحمهالله تعالى ـ هذه الحكاية ، فى معرض أن العبد إذا كان مرادا بحاله زينها الحق بعينه له ، حتى لا يبغى بها بدلا.
وقال : سمعت شيخنا أبا بكر محمد بن محمد القسطلانى ، رحمهالله ، يقول :
إن الشباب والفراغ والجدة |
|
مفسدة للمرء أى مفسدة (٦) |
وسمعته يقول : من لم يؤدبه والداه ، أدبه الليل والنهار. من يخف صوله الليالى ، أثر فى وجهه الغبار. انتهى.
مررت يوما بمدينة فاس ، بموضع يقال له حجر معدان ، فرأيت براءة مطروحة فى الأرض ، فقرأتها ، فإذا فيها مكتوب :
__________________
(٦) انظر : (ديوان أبى العتاهية ٣٤٨).