وسبعمائة ، وإلى هذه الحادثة أشار ابن فرحون ، فقال : وولي طفيل مرة أخرى ، واستمر حاكما على طريقة حسنة ومآثر مستحسنة إلى سنة خمسين ، فصدرت منه أشياء عن تدبير بعض الوزراء لا تليق بمثله ، فعزل بابن عمه سعد بن ثابت وحبس هذا حتى مات في شوال سنة اثنتين وخمسين وسبعمائة. وكان خليفة للملك ، سلطانا مهيبا معظما محببا للرعية ، عالي الهمة ، كامل السؤدد جم المناقب ، يوالي المجاورين ، ويحسن إليهم ، ويقبل شفاعتهم ، انتهى. وذكره المجد فقال : كان أميرا كبيرا كامل السؤدد ، عالي الهمة ، مهيبا معظما في النفوس ، محببا للرئيس والمرؤوس ، جمع مفاخر المناقب ، وفرع من المآثر أعالي المراتب ، مفخرته لين حسان ، لا سيما إلى المجاورين ، وسجيته السماحة خصوصا للوافدين الزائرين ، شفاعات المجاورين عنده مقبولة ، وطينته الكريمة بموالاتهم وممالأتهم مجبولة. وكان ينوب عن أخيه كبيش في تلك الأيام القليلة التي لم يصف له فيها عيش ، ثم إنه لما هجم ودي على المدينة بما معه من رجل وخيل ، واستولى عليها وأخرج منها بعد المقاتلة طفيل ، سار طفيل على قدمه إلى الديار المصرية ، وأخبر السلطان بما اتفق من هجوم تلك السرية ، وأقام ببابه مكرما والسلطان يسدي إليه بعد الغم أنعما ، فطمع ودي في مرسوم السلطان وإقراره على ما كان منه من انتزاع الملك من الأقران فجهز هدية سنية ، وتوجه بنفسه إلى الأبواب العلية ، فلما وصل إلى مصر في أثناء شهر رمضان ودخل على السلطان قبل هديته وأجزل عطيته ، وأمهله إلى انسلاخ الشهر السعيد ، فلما كان ليلة العيد برز له المرسوم بالجيش والتقليد ، ورجع طفيل إلى كبيش بالبادية عند العرفان ، وجهز من عندهم هدية حفيلة ورجع بها إلى السلطان ووصل بها في الثاني عشر من شهر شعبان ، فلما كان بعد أيام وصل الخبر إلى مصر بأن أولاد مقبل بن حماد قتلوا كبيشا بالحجاز فخلع السلطان على طفيل بن منصور ، وولاه المدينة بتقليد ومنشور ، فدخل المدينة في الحادي عشر من شوال من العام المذكور ، وطار من كان بها من آل ودي طيران الصقور من الوكور ، واستمر طفيل في المدينة حاكما والعدو خارج عليه متراكما ، يشنون على المدينة الغارات ويطلبون بها الثارات ويرعون الزروع وينهبون الضروع ، ويحرقون النخيل والأشجار ويجدون ما أينع من الثمار. فلما اشتد الحال واشتد الأعوال وتواتر الصيال ، خرج إليهم القاضي شرف الدين الأميوطي وشيخ الخدام وأعيانهم ، وصالحوهم على خمسة عشر ألف درهم وعلى ثمرة أملاكهم وأملاك منن يلوذ بهم ، فلما تم الصلح بينهم وقضى كل ما فيه من النزاع بينهم استنجد طفيل بصالح بن حريبة من آل فضل وبعمرو بن وهيبة من آل مراد ، وبعياق بن متروك الرزاق ، فجاءوه في جموع كالجبال وعسكر من القتال غير مبال. فساروا بجمعهم الكثير وجمعهم الغفير على عسكر بن ودي وعدده النزر اليسير ، يقال : انهم كانوا خمسة عشر فارسا أو نحو خمسة وعشرين فركبوا عليهم وكسروهم