[نصيبين]
وتليها مرحلة نصيبين على صيغة جمع المذكر السالم لنصيب. وهي قرية وخمة ، وهواؤها ردىء وخم ، وماؤها أردأ ، وجوه أهلها صفر من كثرة الحمى التي فيها ، وهي مشرفة على الخراب (١) ، لا جمعة فيها ولا جماعة ، وأهلها مجردون عارون من الفضائل والكمالات ، بل وعن جميع الطبائع الإنسانية. واجتمعنا فيها مع صاحبنا محمد أفندي حاكم ماردين ، وأعطانا بغلة شهباء. دخلناها يوم الأربعاء السادس من جمادى الأولى (٢) ، وأقمنا فيها ثلاثة أيام غير يومي الدخول والخروج. وخرجنا منها يوم الأحد العاشر من الشهر المذكور ، فالحمد لله على أن نجانا منها ، وفيها أقول :
عرّج ركابك لا تنزل نصيبينا |
|
واربح جمالك بل دنياك والدنيا |
أرض تصيد بها الحمّى على عجل |
|
طير الفلاة وإن سامى السماكينا |
أرض بها الدين والإسلام مفتقد |
|
والخير عنها بعيد نازح حينا |
أرض بها الشر لم يبرح ببقعتها |
|
مستوطنا دهره حتما وتمكينا |
والمسافة خمسة فراسخ ونصف. ومنها كتبت للولد القلبي حسين كتابا ولم أودعه في الرحلة لضيق الوقت.
__________________
(١) هي نسيبيس Nisibis الرومانية ، تقع في أعالي نهر الهرماس : ازدهرت في العصور الإسلامية حتى عدت من أعظم مدن الجزيرة شأنا ، بيد أن الخراب أخذ يطرقها بعد تعرض المشرق الإسلامي إلى الاضطراب في القرون المتأخرة ، فذكر ابن بطوطة الذي زارها في القرن الثامن للهجرة أن أكثرها قد خرب (تحفة النظار ج ٢ ص ١٣٩) وقد لاحظ أبو طالب خان حينما زار البلدة سنة ١٢١٣ ه / ١٧٩٩ م أنها ظاهرة التخلف ، وأنه ليس حولها إلّا اللصوص قطاع الطريق (رحلة أبي طالب خان ، ترجمة مصطفى جواد ، بغداد ص ٣٥٠) ووصفها الآثاري الألماني كونراد برويسر الذي زارها في أوائل القرن ٢٠ م بأنها اليوم قرية منسية لكن بيوتها تحوي كثيرا من بقايا النقوش المعمارية القديمة (المباني الأثرية في شمال بلاد الرافدين ، ترجمة علي يحيى منصور ، بغداد ١٩٨١ ، ص ٥٩).
(٢) ويوافق ١٦ حزيران (يونيو) ١٧٤٤ م.