ومما وقع السؤال عنه في حديث الرحمة : هل جزم (يَرْحَمَكُمْ) من حيث المعنى أو لا أم رفعه كما هو في رواية (١)؟ والجواب : إنه من حيث الترغيب الجزم أو لا ، لأن من علم أنه إذا رحم رحم حثه ذلك على الإحسان والشفقة ، ومن حيث الملاحظة إلى رحمة الله الرفع أولى لأنه حينئذ تكون رحمة الله تعالى مطلقة غير مرتبة على شيء ، وهو الفاعل المختار ، ويرحم البر والفاجر والطائع والعاصي ، مالك أزمة الأمور ، يعطي ويمنع لا لغرض.
ثم وقع السؤال على رواية الرفع ، هل الجملة مستأنفة استئنافا نحويا أو بيانيا؟ والجواب : إنها مستأنفة استئنافا نحويا لأنها ليست جوابا عن سؤال مقدر وإنما أتي بها للدعاء ابتداء ، فالكلام انقطع عند قوله «ارحموا من في الأرض» ثم استأنف ودعا لهم بالرحمة ، أي يا من أمره وسلطانه في السماء رحمهم. وبعض الحاضرين تصدى لأن يجعل ذلك استئنافا بيانيا ولم يأت بطائل ، وسيأتي الكلام على مسائل الإحرام إن شاء الله تعالى. وهذه المرحلة مسافتها ستة فراسخ.
[المفرق]
وتليها مرحلة المفرق ، بفتح الميم (١٦٩ أ) وسكون الفاء وفتح الراء وآخر الحروف قاف ، وهو بر لا عمارة فيه ولا ماء (٢) ، سمي بذلك لما قيل أنه فارق بين العمارات وغيرها ، ويحتمل أنه اسم مكان للفرق بفتحتين ، وهو الخوف ، وذلك لانقطاع العمارات عنده ، فيتوهم الخوف من عدو وقلة زاد وماء وعطب دابة (٣) ، والمسافة ثلاثة [عشر](٤) فرسخا.
__________________
(١) تقدمت إشارة إلى هذه المسألة.
(٢) هذا ما كان في عهد المؤلف ، وقد نشأت بعده فيها قرية هي اليوم بلدة زاهرة ، تقع في شمالي المملكة الأردنية ، على طريق دمشق ـ عمان الرئيس.
(٣) ما ذكره الخياري أدعى للقبول ، قال «وسبب تسميته بذلك أن أهل القرى كطرابلس ونابلس ومن وصل مع الحاج من أهل البلقاء والزرقاء يتفرقون منه إلى أوطانهم فلذلك يسمونه بالمفرق (تحفة الأدباء ج ١ ص ٩٠) وكان والي دمشق يحتفظ بحامية فيها يرأسها أحد الأغوات ، وهم على الغالب من قبيلة هتيم ، وحولها يضرب العربان خيامهم ويزرعون الأرض وينتجون كثيرا من العنب والذرة والقمح (محمود العابدي : الآثار الإسلامية في فلسطين والأردن ، عمان ١٩٧٣ ، ص ٢٨٢.
(٤) سقطت (عشر) من أ.