وسيدي! قد قلت في كتابك ـ وأنت أصدق القائلين ـ (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَهُدىً لِلْعالَمِينَ ، فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً)(١) فقد وتيت (٢) إلهي إلا من دخوله ولم تذكر متعلق الأمن ، فدل ذلك بمقتضى بلاغة كلامك أنه (١٩١ ب) عام فيشمل الأمن من كل شيء ، ومن أفراد الشيء الذنوب ، فها أنا عبدك الجاني الآبق دخلت بيتك خائفا من ذنوبي مستجيرا بك من النار وإنك لا تخلف الميعاد ، إلهي! أنت أرحم الراحمين ، وأكرم الأكرمين ، مقيل العثرات ، وكاشف البليات ، سبقت رحمتك عذابك فحاشا لك أن تطرد من لازم بابك. إلهي حلمك جرّأني على معاصيك ، وأوقعني في ذلك حسن الظن فيك ، وقد بلغني عن رسولك المصطفى فيما يرويه عنك أنك قلت (أنا عند ظن عبدي بي) إلهي! هذا البيت بيتك ، والحرم حرمك ، والأمن أمنك ، وهذا مقام العائذ بك من النار ، الهي لا تضرك معصيتي ، ولا تنقصك إساءتي ، فأسألك العفو عما لا يضرك ولا ينفعك ، إلهي! أدنى عبد إذا استجير به أجار ، فها أنا عبدك الآبق ، أستجير بك من النار ، وأنت الأكرم ، وأنت الأرحم. إلهي! واسطتي إليك ووسيلتي حبيبك الأعظم ، وخليلك المقرب المقدم الذي اصطفيته على جميع خلقك واخترته رحمة لعبادك ، ورفعت ذكره ، ونثرت فخره ، وأقسمت بعمره عبدك ورسولك محمد بن عبد الله بن عبد المطلب (١٩٢ أ) فأتوسّل به إليك أن تجيرني من عذابك وغضبك وعقابك. وأردت أن أنظم استغاثة أول كل بيت [فيها] إلهي ، فلم يتهيأ ذلك.
ويوم الثلاثاء ، الثامن من الشهر المذكور ، رحلنا من مخيمنا وكان في وادي المنحنى (٣) ، بعيد الظهر ، وسار الحجيج إلى عرفات ، وبتنا فيها ليلة التاسع من الشهر ، كما هو عادة الحجاج قديما وإن كان المشروع خلافه ، ووقفنا بعيد ظهر عرفة على الصخرات التي وقف
__________________
(١) آل عمران آية ٩٦ و ٩٧.
(٢) كذا في أ، وفي ب (رتبت).
(٣) المنحنى هي دكة ناتئة في سفح الجبل في أول طريق منى.