عليها النبي صلىاللهعليهوسلم ، وشرعت بالدعاء مستقبل القبلة ، واجتمع خلفي خلق كثير وجمع غفير ، يؤمنون ويبكون بشهيق وعويل ، وأنا أدعو جهرا ، فلما رأى السيد طالب الرفاعي كثرة الخلق وازدحامهم عليّ أشار إلى بأن أختم الدعاء ، ولو بقيت على تلك الحالة لما بقي مع الخطيب أحد لأني رأيت الناس ينثالون من كل فج وواد نحوي ، والحمد لله تعالى. ودخلنا من عرفة بعيد مغرب ذلك اليوم ، وبتنا مزدلفة ، ولم يدعني الناس تلك الليلة أن أستريح من كثرة ما يلتقطون حصى الجمار ويعرضونه علي ، وذلك أنهم سمعوا مني أنه لا يجوز الرمي بالمدر ، فكل من لقط حصى عرضه عليّ ، فأنقي له منه ما يجوز فيه الرمى (١٩٢ ب) وما يسن ، حتى إن السيد طالب قال : والله إني لأعجب من حلمك وصبرك على الناس!. ورحلنا من الفجر ، وأصبحنا بمنى ، وبقينا فيها إلى ثاني أيام التشريق ، ونفر الحاج النفر الأول بعد ظهر ذلك اليوم والحمد لله على أن تم حجنا من وقوف وطواف وسعي ورمي وغير ذلك. واعتمرت من التنعيم يوم الاثنين الرابع عشر من الشهر المذكور (١) ، وصليت ركعتي الإحرام في مسجد عائشة رضياللهعنها ـ واعتكفت مقدار ما صليت ودعوت لي ولأحبائي ، واجتمعت بالحرم الشريف بسيدنا السيد الحسيب الشيخ عبد الله المزهر اليماني وسألته الدعاء ، وهو رجل صالح معتقد أهل الحرمين. وزارنا مرارا صاحبنا العالم العامل المتفرد في الأقطار الحرمية السيد عمر ابن السيد السقاف باعلوي (٢) حفيد شيخ مشايخنا عبد الله بن سالم البصري (٣).
وزارنا أيضا الشيخ سالم ابن الشيخ عبد الله المزبور ، وهو رجل مقعد يحمل على أكتاف
__________________
(١) الموافق ١٧ كانون الثاني (يناير) سنة ١٧٤٥ م.
(٢) هو عمر بن سقاف بن محمد بن عمر بن طه السقاف الحسيني العلوي ، من مشايخ المتصوفة بحضر موت ، له (موارد الألطاف في مناقب السيد عبد الله بن علي السقاف) و (الروض البهي الناعم) في التراجم ، و (مختصر تاريخ الطيب بافقيه) ومنظومات في الفلك والسيرة النبوية وغيرها ، توفي سنة ١٢١٦ ه / ١٨٠٢ م. الزركلي : الأعلام ج ٥ ص ٢٠٦ وعبد الله محمد الحبشي : مصادر الفكر العربي الإسلامي في اليمن ، صنعاء ، ص ٤٥١
(٣) يريد : حفيده من أمه.