المرسلون الأمريكان أن يذهب إلى مالطة ليعلّم العربية في مدرستهم ؛ فسافر إليها سنة ١٨٣٤ م ، وتولّى هناك ـ إلى جانب التعليم ـ تصحيح ما يطبع في مطبعتهم ، ومنشوراتهم العربية. فأقام في مالطة أربعة عشر عاما منصرفا إلى التدريس ، والتأليف ، والتصحيح.
يقول جرجي زيدان في تراجم مشاهير الشرق : «ولا يكاد يوجد كتاب مطبوع في مطبعة مالطة ، إلا وكان هو مؤلفه ، أو مترجمه ، أو مصحّحه». (٢)
ومن جملة ما ألّفه في هذه الجزيرة كتاب «الواسطة في معرفة أحوال مالطة» الذي سيأتي الكلام عليه لا حقا.
وفي سنة ١٨٤٨ طلبته جمعية ترجمة التوراة في لندرة من حاكم مالطة عن طريق وزير خارجية إنكلترة لمساعدة الدكتور لي «Lee» في ترجمة التوراة إلى العربية ، فتوجّه إليها ، وفي طريقه مرّ بعدد من المدن الأوروبيّة إلى أن وصل إلى إنكلترة التي أقام فيها نحو ثماني سنوات ، اختلف في أثنائها إلى باريس عدّة مرّات. وفي هذه المدينة ألّف كتابه الشهير «الساق على الساق فيما هو الفارياق».
على أن المحصّلة الهامة لهذه السياحة الأوربية كانت تأليف كتابه الذي نحن بصدد تقديمه للقرّاء.
ومما تجدر الإشارة إليه أن الشدياق خلال إقامته في مالطة ، وأوروبا بقي محافظا على لباسه الشرقي ، وطربوشه التركي ، على الرغم من نظرات الاستهجان ، والاستغراب ، والسخرية التي كانت تلاحقه في حلّه وترحاله ، ممّا يدلّ على تماسكه ، واعتداده بما ينطوي عليه من موروث حضاريّ يقيه من الذوبان السريع في مجتمع ناهض ومتمدّن ، لكنّه مغاير ومختلف في جوانب كثيرة عن المجتمع الذي نشأ به ، وتمثّل قيمه الأخلاقية والحضارية على نحو عميق.
وفي سنة ١٨٥٧ استدعاه باي تونس للحضور إليها إثر قصيدة كان قد مدحه بها أثناء زيارة الباي لفرنسا ، فأرسل في طلبه دارعة خاصة ليبحر على متنها من فرنسا مع عائلته إلى الحاضرة التونسية ، ثم عهد إليه تحرير جريدة «الرائد التونسي» وهي
__________________
(٢) انظر تراجم مشاهير الشرق. ج ٢ ص ١٠٤.