ولد فارس بن يوسف الشدياق في عشقوت من أعمال كسروان سنة ١٨٠٤ م ، ثم انتقلت به أسرته إلى الحدث بجوار بيروت سنة ١٨٠٩ م ، فنشأ الصبي فيها ، وظهرت عليه علائم النجابة والذكاء ؛ فأرسله أبوه إلى مدرسة «عين ورقة» في كسروان ، المدرسة التي تخرّج فيها نخبة من رجال النهضة العربية الحديثة وأعلامها. حيث أتمّ فيها دروسه الابتدائية ، كما تلقّى دروسا في اللغة والأدب على أخيه أسعد الذي كان من نوابغ زمانه.
بدأ الشدياق ينظم الشعر في سنّ مبكّرة ، وكان ميله إلى قراءة الفصيح من الكلام ، والتعمّق في متون اللغة واضحا لا يحتاج إلى دليل ، تسعفه في ذلك مكتبة والده التي كانت حافلة بالكتب المتنوّعة. ولكن الفتى سرعان ما فجع بموت أبيه ، وهو لم يجاوز السادسة عشرة ؛ فاضطرّ إلى السعي المبكر في سبيل العيش؟ فاشتغل بنسخ الكتب وتحبيرها ، فلم يجد ذلك مجزيا ، مّما دفعه لأن يعمل بائعا متجوّلا ، ولكن سعيه خاب هذه المرّة أيضا ، فعمل كاتبا عند الأمير حيدر الشهابي صاحب التاريخ المعروف باسمه ، ولكنّه سرعان ما واجه حدثا خطيرا غيّر مجرى حياته ، ألا وهو نكبة أخيه أسعد الذي اعتنق المذهب الإنجيليّ (البروتستانتي) على يد المرسلين الأمريكان ؛ فغضب عليه البطريك الماروني ، وأوعز إلى رجاله ؛ فقبضوا عليه ، واحتجزوه في أحد الأديرة ، وساموه أنواعا من العذاب ؛ ليرجع عمّا ذهب إليه ، فازداد تمسّكا برأيه ، وإصرارا على موقفه ، ممّا أدى إلى موته وهو في ميعة الشباب ، فأثارت هذه الحادثة حفيظة أخيه فارس ، ودفعته هو الآخر إلى اعتناق البروتستانتية ، مثلما دفعت بالمرسلين الأمريكان إلى إرساله إلى مصر خوفا عليه من أن يصيبه ما أصاب أخاه ، فسافر إليها سنة ١٨٢٥ م ليعلّم اللغة العربية في مدارسهم. وبقي فيها زمنا معلّما ومتعلّما ؛ حيث قرأ على بعض الأساتذة الكبار مثل : نصر الله الطرابلسي الحلبي ، ومحمد شهاب الدين محرّر الوقائع المصرية بعض كتب اللغة والأدب ، إلى أن تمكن من النحو والصرف ، والاشتقاق ، كما تقرّب من حاكم مصر ، ومن خيرة علمائها ، ولم يلبث أن عيّنه الشيخ رفاعة الطهطاوي في إدارة تحرير الوقائع المصرية.
مكث الشدياق في مصر تسع سنوات تعرّف خلالها بعائلة الصولي السوريّة المقيمة بمصر ، فصاهرها ، ورزق من زواجه ولدين هما : سليم وفائز ، ثم رغب إليه