وترسّمها (١٢٥). وتبقى على ذلك سنين بخلاف بيوت لندرة فإنّها لّما كانت هدفا للدخان والضباب لم تلبث أن تسودّ كما سنذكر ذلك إن شاء الله. ولهم في تجديد الأبنية مهارة غريبة وذلك أنّهم إذا أرادوا مثلا هدم دار هدموا أولا أسفل جدرانها وأسندوا القائم منها بعضائد ، ثم بنوا الأسفل فربّما نجز الهدم والبناء في وقت واحد. وبعض البيوت يبنون خارجها كالسفينة من قطع خشب يعارضون بعضها ببعض ، ثم يطيّنونها وربّما كانت تلك الأخشاب قديمة. وفي الجملة فإن بيوت الفلاحين حسنة مهندسة ، غير أن منها ما يكون أصغر من سطحه ، فإن السطوح عندهم على ثلاثة أنواع : الأول من ألواح المكاتب التي يتعلم عليها الخط ، وهي للديار الكبيرة. والثاني : من الخزف ، وهو للبيوت الوسط. والثالث : من التبن ، فهذا يكون قبيح المنظر ، وهو يرقّع كما يرقّع الثوب ، ويقولون : إنّه أحسن من غيره شتاء وصيفا فإنّه في الشتاء يمنع البرد ويردّ الثلج ، وفي الصيف يمنع الحرّ.
ولا يكون السطح عندهم إلا مسنّما. والفاصل بين ألواح الزجاج في الشبابيك أكثره قضبان رصاص بدلا من الخشب ، وربّما كان الزجاج مربّعا أو مخمّسا فيكون للعين أنيقا وحيث كان في السابق ضريبة للميري على الطيقان إذا زادت على ثمانية كان الناس يتحاشون من مجاوزة هذا الحد ، ولكنّه الآن أبطل تمتعا بنور الله وهوائه ، ولكن قام مقامها ضريبة أخرى. وكل دار لا بد وأن يكون فيها عدة مواقد للنار ، وأسرّتهم كلّها من خشب لا من حديد ، والغالب أن أرض منازلهم تكون مفروشة باللبد أو البسط من الزرابي ، وأثاثهم بين بين ، وقلّ أن ترى عندهم من الصور إلا صورة كبير العائلة ، وصورة الخيل في السباق أو صورة أرانب وكلاب.
أمّا بيوت الأغنياء والمترفين فلا شيء أجمل منها لإحكام بنائها ، وحسن ترتيبها وحيطانها من داخل مغشّاة بالورق الفاخر المنقش ، وطيقانها محكمة الوضع كبيرة قطع الزجاج وهو يقارب البلور في الصفاء والبريق ، ودرجها وأرضيتها من الخشب المتين ولهم إسراف زائد في الأثاث فإنّ أسرّتهم وموائدهم وأصونتهم وكراسيهم وخزائن كتبهم كلها من الخشب المسمى بالماهيكون ، وقد تبلغ قيمة ذلك في الجملة
__________________
(١٢٥) ترسّم الشيء : تبصره ، ونظر كيف هو. (م).