الجو لطخة سحاب ولا غادية أصلا ، وفصل الشتاء يبتدئ فيها منشهر تشرين الأول ، وينتهي إلى أيار ، والباقي صيف شديد ، وإن وقع في خلال ذلك يوم معتدل فتأتي فيه نفحة من الريح باردة وأخرى حارّة ، أو تكون النعور وهي من الرياح ، ما فاجأك ببرد وأنت في حرّ ، أو عكسه. وفي الجملة فإنها جديرة بأن تسمّى مخزن الرياح ، فهي لا تخلو منها باردة كانت أو حارة ، وأكثر رياحها في الصيف السافياء تأتي بغبار وتراب دقيق تطيّره على وجوه الناس ، وتدخله في الديار من خصاص (١٥) الزجاج.
ومن الغريب أن الريح الشرقية التي تكون في الشتاء زمهريرا تصير في الصيف سموما فتتشقّق بها أخشاب المنازل وهي مصبوغة ، وتصرصر (١٦) بها روافد السقوف ، ويجفّ بها الزجاج ويتصلّب ؛ فيكسر بأدنى مسّ ، ويقرمد (١٧) بها الجلد والورق بل يتأثّر بها الحديد والنحاس والعظم ونحوه ، وينتن شمع الشحم فتكون الشمعة في البيت كالجيفة ، وقد تبلغ درجات الحرّ فيها فوق المائة فيقضى الومد (١٨) حينئذ باللباس الخفيف من الكتان ، وبالنوم من دون غطاء. وأكثر أهل مالطة ينامون ليلا على السطوح لكون سطوح ديارهم غير مسنّمة (١٩) بخلاف ديار فرنسا وإنكلترة ، وإذا مشى الإنسان خطوات في الصيف ، يعوم في عرقه ثم لا يلبث أن تلفحه لفحة من الريح ؛ فينبغي أن يكون أحذر من غراب. هذا ولمّا كانت أرض الجزيرة خالية عن الأجم والغياض والجبال والأنهار إذ هي عبارة عن صحن في وسط البحر فمتى أصابتها الشمس مسحتها مسحا على السواء فلا ملطا (٢٠) فيها من شيء ، وربّما زاد حرّها أيضا بسبب النار التي تخرج من جبل صقلية ، ومع قربها من إيطالية فليس في ديارها رخام كديار تونس وليس في شيء منها مياه جارية كديار الشام.
__________________
(١٥) خصاص : جمع خصاصة ، وهي الفرجة ، أو الخلل. (م).
(١٦) تصرصر : تصوّت ، وتحدث صريرا. وروافد السقف : خشب السقف. (م).
(١٧) في الطبعة التونسية : يترمّد : أي يصبح بلون الرماد ، وهو أقرب إلى الصواب. (م).
(١٨) الومد : اشتداد الحر مع سكون الريح. (م).
(١٩) مسنّمة : مرفوعة كالسنام وليست مسطّحة. (م).
(٢٠) الملطا : الملجأ ، والملاذ. (م).