تخالف الفصول شيئا فشيئا وليس من علامات الربيع شيء بمالطة سوى تكاثر البراغيث ، فهي آفة من الآفات. ولا من علامات الخريف سوى تناثر أوراق الشجر المعدودات ، ومع ذلك فإن كثيرا من الإنكليز يأتون إليها ليقضوا فيها الشتاء. أما عام المطر فيها في الصيف فسببه قلّة الشجر والغياض ، فإن السحب إذا مرّت فوقها لم تجد ما تجذب منه رطوبة.
ولعلّ الأدوية والعقاقير التي تبقى مدّة طويلة في مالطة تفسد بالكليّة ، ويزول ما بها من الخاصّة فإن التبغ والنشوق والخمر إذا بقيت فيها زمانا يزول طيبها رأسا لأن مبلّط الديار وحيطانها وسقوفها من حجر ند كما مرّ ، فإذا وضعت مثلا ملحا في خزانة لا يلبث أن يندى كأنّه خلط بالماء ، وكذلك تعفّن المأكولات والمشروبات إذا وضعت في مخدع من خشب مصبوغ ؛ فإن النداوة تسري إلى الصبغ ، ولذلك كان البدل وهو داء المفاصل شائعا في مالطة وقلّ من يسلم منه. وقد أصبت به أول سنة فكنت أقوم في الصباح موجع الأعضاء لا أنشط إلى شيء ، وما زال ذلك يتزايد بي حتى لزمت الفراش ، فلمّا عادني الطبيب ورأى مبلّط المنزل أخبرني بالسبب فعظم عليّ ذلك ، ثمّ لمّا سمعت بأن أكثر الناس ممنيّون به هان علي ما لاقيت وتأسّيت بهم. ودواء هذا الداء الإقامة في محلّ مواجه للشمس عند طلوعها. وقد كان يعلو كتبي من أثر النداوة عطن يلتصق به بعض الورق ببعض ، ومن جعل مرقده قرب حائط فلا يأمن غائلة صداع أو وجع أسنان ، ومن يكن ذا علّة في صدره فأعظم خطر عليه التعرّض للريح بعد أن يكون في محلّ دفيء مع أن الغالب على أهل مالطة الشدّة والقوة غير أنهم ولدوا على هذه الحال فلا تؤثّر فيهم رداءة المكان ولا الزمان ، وممّا توصي به الأطباء هنا اتخاذ غلائل الصوف المسمّاة فلانله صيفا وشتاء أمّا في الشتاء فللدفء ، وأمّا في الصيف فلتنشيف العرق ، ومنع ضرر الريح النافذة في المسام حتى إنّهم يخشون من الريح على الحيوانات فإنّهم إذا أوقفوا الحصان في سيره أداروا وجهه إلى غير جهة الريح وقس على ذلك.
أمّا أرض مالطة فإنها ملطة صخرة جرداء قليلة الثرى والشجر والنبات ، ودائرها كلّه صخر لا ينبت فيه شيء إلا أنه لشدّة اجتهاد أهلها ، وفرط كدحهم ينبت فيها أكثر أصناف البقول والفاكهة ، لكن غلتها لا تكفيهم أكثر من أربعة أشهر ، والباقي