يجلب إليهم من بلاده فيجلبون القمح والقطاني من مصر ، ومن بلاد الترك والروم ، ويجلبون الفاكهة والخمر من صقلية ، والبقر والضأن والزيت من إفريقية وهلم جرّا.
وزعم بعض أنّ ترابها مجلوب في الأصل من صقلّية ، وترى شجر الخرنوب والصبّار التي لا تتوقّف على كثير من الثرى أعزّ من شجر الجوز في الشام ، أما شجر الخرنوب فيكون لا صقا بالأرض كأنما هو أزرار (٢٥) ومكبسة ، وأمّا الصبّار فتراه محوطا بالجدران العالية كأنّما هو حديقة ، وينوطون بكلّ منّها ورقة من الثوم منعا لإصابة العين مع أنّها ممّا تنبو عنه العين ، وإذا سألت أحدهم عن قلّة الغياض عندهم قال : نحن معاشر الإفرنج لا نصرف همنا إلا إلى زرع الأرض. فما أقلّ ظلّهم وأكثر ظلمهم!.
وإذا ضحيت (٢٦) إلى الخلاء وجدت بين كل حقلين جدارا عاليا لحجز رؤية ما دونه ، فأين هذه من سهول فرنسا وإنكلترة البادية للعين على نضرتها وريعها ، وعلى كثرة ما فيها من أكاديس الغلال والعشب من دون ناطور يحفظها ، أو حائط يسترها.
ويوجد في مالطة أكثر أصناف الأشجار المثمرة والبقول المأكولة ، وفاكهتهم طيّبة في الجملة إلا الليمون الحلو ، وقصب السكر ، والخيار ، فأمّا الصبّار فأكثره نوى ، وكذا الرمّان. وأكثر الفاكهة يباع فجّا ، وقلّما يدعونها تنضج خوفا من اللصوص أن تسرقها. وجميع أصنافها أرخص منها بمصر ، والتين على أصناف متنوّعة والعنب لا يدوم أكثر من ثلاثة أشهر ، أما الاترنج فإنه يدوم نحو سبعة أشهر ويرسل منه إلى بلاد الإنكليز وغيرها كالطرفة. فإمّا ما يأتيها من الثمر من صقلّية فإنّما هو سداد من عوز.
وعندهم من الفاكهة أصناف لا توجد في بلادنا ، منها صنف يقال له الفراولي وهو حب أحمر صغير بقدر ثمر العليق حامض يصلحه السكر ، وأخر يقال له نصبلي وهو شبيه بالمشمش ، أو بعين البقر ونواه كبير ، وآخر اسمه زربي وهو أشبه بالزعرور شديد الفجيّة يجعلونه أعذاقا كأعذاق التمر ؛ فينضج منه كل يوم حبّات ، ويدوم العذق بجملته أشهرا ولا يعرفون حفظ الفاكهة إلى أوان الشتاء كما يفعل في بلاد
__________________
(٢٥) أزرار : لم أجد لها معنى ، وفي طبعة تونس : أرز أو مكبّبة. (م).
(٢٦) ضحيت إلى الخلاء : خرجت. (م).