الإفرنج ، فإن العنب والتفاح في فرنسا وإنكلترة لا ينقطعان أصلا. أما بقولهم فغير طيبة ، وذلك لكثرة مائيتها فإذا رأيتها في السوق سرّك نضارتها ولكن متى طبخت جاءت مسيخة(٢٧) ، حتى إن البصل والفجل وما أشبههما ممّا طبعه الحرافة لا طعم له عندهم ، لا بل إذا جلبت من بلاد أخرى يتغيّر طعمها ، وكذا الكرنب ، والباذنجان ونحوه. ولا يكاد يبدو نوع منها إلا ويغلط ويجسو. ومن الغريب أن نباتها مع كونه بهذه الصفة فعسلها في غاية الجودة ، ومما لا يوجد عندهم من الخضرة الكوسى والقتّاء ، والملوخية ومن غيرها اللبن والقشطة والسمن ، وإنّما يجلبون نفاية هذا أحيانا من طرابلس الغرب. وأهل مالطة جميعا يتقزّزون منه ، ويطبخون إدامهم بشحم الخنزير.
أما ماؤها فإنه ماء المطر مخزونا في الآبار غير سائغ فما شربه ذو تعب أو ظمأ إلا وأصابه سعال ، وكثيرا ما يحدث عن شربة واحدة نفث الدم ، فشتّان بينه وبين ماء النيل الذي يطيب شربه على التعب والظمأ ولا يزيد الشارب إلا صحة ونماء جسم ، فلا ينبغي لأحد أن يشرب من ماء مالطة إلا ترشّفا. ونقل عن أرسطو أن الماء الراكد الذي لا تقع عليه الشمس لا يكون إلا ثقيلا وتتولد في مادة طينيّة.
أمّا حدائقها فأشهرها حديقة صانت أنطونيو مقر الحاكم في الصيف ، وهي التي نزل بها الأمير بشير شهاب بأهله ، أخلاها له الحاكم إجلالا لشأنه وهي نضيرة حسنة الوضع إلا أنها في منخفض من الأرض ، وليس فيها مقاعد أو مواضع ليأكل فيها المتفرّج أو يشرب ، وليس للمالطيين عادة أن يأخذوا إلى مثل هذه المنتزّهات طعاما لا في الأعياد ولا في غيرها اتباعا لعادة الإنكليز إذ لا يمكن لهم الجلوس إلا على كرسي ، فغاية حظّهم من ذلك إنّما هو المشي أو أن يضع أحدهم ذراعه بذراع صاحبه ويمشيان الخيلاء أو أن يمشي وحده وهو يصفر ويمكو. وعلى تقدير وجود رصف (٢٨) عندهم أو روضة فلا يعرفون كيف ينبسطون عندهما سوى بالمشي ، وأعرف رصفا يسمّى البياتا أنيقا جدا ، ولكن ليس فيه محل للقهوة ، ولا مثلوج ولا مطعم ، ولا آلة
__________________
(٢٧) مسيخة : لا طعم لها. (م).
(٢٨) الرصف : المكان المعشوشب في ضواحي البلدة. (م).