كان عنده من الحروف لجمعية العلوم في باريس ، فكانوا يطبعون بها أجلّ المؤلفات في الأدب والعلم. ثم قام دكطر فري وسبك حروفا في جميع اللغات المشرقية ، ويقال إنه سبك في مسبك برسكيف أربعمائة شكل من الحروف الهجائية ، وإن بروبنكاندة رومية مع شهرتها ليس فيها أكثر من ذلك ، وسبك أيضا في معمل ديدو في باريس أبدع ما يمكن صوغه من الحروف في العالم بأسره ، حتى إن بعضها لا يمكن قراءته إلا بالزجاجة المكبرة. وكيفما كان فإن طبّاعي الإنكليز في عصرنا هذا لا يعلو عليهم أحد. ثم إن أحد النمساويين واسمه هركونك رأى أن الطبع بالبخار غير مستبعد ، فعرض رأيه على أهل بلاده فأعرضوا عنه ، فقدم إلى بلاد الإنكليز وأسعفته جماعة منهم لإجراء ما قصده ، فصنع آلة صغيرة طبع بها ألف صحيفة في ساعة واحدة بمساعدة ولدين فقط ، فلما تحقق صحة استعمالها عزم على اتخاذ آلة كبيرة لطبع الأخبار ، فرآها صاحب جرنال التيمس فواطأه على أن يصنع له آلتين مثل تلك ولكن أكبر منها ، وفي سنة ١٨١٤ طبع في ذلك الجرنال إعلان بأنه مطبوع بقوة البخار. ثم قام جماعة وحسّنوا هذه الآلة ، فكان يطبع بها على الوجهين في كل ساعة من ثمانمائة صحيفة إلى تسعمائة ، وكانت الآلة المفردة تطبع على وجه واحد في كل ساعة ألفا وأربعمائة صحيفة. ثم قام مستر لتل واخترع آلة مزوجة يطبع بها في الساعة من عشرة آلاف صحيفة إلى اثني عشر ألفا. وفي بلاد أميريكا مطبعة تطبع في الساعة عشرين ألف صحيفة ما بين جرنال وغيره.
أهمية اختراع الطبع
وفي الحقيقة فإن جميع ما اخترع من الصنائع في هذا العالم هو دون صناعة الطبع. نعم إن الأقدمين بنوا أهراما ، ونصبوا أعلاما ، وشادوا هياكل ، وحصنوا معاقل ، وحفروا خلجانا وأقنية للماء ، ومهدوا مسالك للعساكر ، إلا أن صنائعهم تلك بالنسبة إلى صنعة الطبع إن هي إلا درجة ترق فوق درجات الهمجية ، فإنه بعد اشتهار الطبع لم يبق احتمال لإضاعة المعارف التي ذاعت وشاعت ، أو لفقد الكتب كما كانت الحال حين كانت تكتب بالقلم. وقد قيل إن المعرفة قدرة ، فإن المتصفين