فإن أحدهم ليأكل رطلا من الخبز من أرطالهم بخمس حبّات من الزيتون أو بقطعة من الجبن أو بصحناة (٦٩) والرطل المالطي هو نحو رطلين من أرطال مصر ، وثمنه نحو قرش ، ولهذا كان المالطيّون جميعا كثيري اللهه بذكر الخبز ، فإذا زارك أحد مثلا وسألته عن أهله ، قال لك : كلّهم طيبون يأكلون الخبز. أو كأن يقول الطبيب هو من يأكل الخبز. وإذا أردت أن تشتري شيئا من أحد التجار ، ولم توفه ثمنه ، قال لك : أنا قائم بمؤنة عيلة تأكل الخبز. وإذا رأيت أحدا يأكل بعيدا عنك رفع إليك ما في يده ، وقال : «اك يعجبك» أي إن يك يعجبك ، وإن كان يعلم أن اقترابك منه محال. ثم لا يخفى أن خبز الإفرنج يكون كبيرا جاهضا (٧٠) يقطعونه بالسكين ، والحكمة في ذلك الاقتصاد ، فإن الآكل إذا قطع منه شيئا وأبقى منه ما أبقى فلا يكون الحرص على الباقي عيبا ، وربّما جيء بالفضلة منه إلى المائدة مرّات بخلاف عادة الشرقيين ، فإن الرغيف إذا قطع منه شيء فلا يؤتى به إلى السفرة وهو ناقص ؛ فذلك يعد لؤما وبخلا ، غير أن جعل الرغيف كبيرا يوجب عدم نضج لبّه ، فخبز أهل مالطة يكاد لبّه وهو الجزء الأكبر منه ينعصر ؛ فلا يمكن أكله إلا بعد يوم وهو أردأ خبز في بلاد الإفرنج فإنه ما عدا كونه معجونا بالأرجل حامض وغير مريء غير أنه فيما أظن ليس مخلوطا بأجزاء كثيرة كخبز الإنكليز ، وعندهم نوع من الخبز مستدير مثل خبزنا يسمّونه الفطاير ، ويأكلونه على نوع التفكّه ، وقد سألت عن سبب قلّته وعدم بيعه في جميع الحوانيت ، فقالوا : إنه موجب لزيادة المصروف لطيبته. وهم إذا جاعوا أكلوا منه ما يكسر الجوع فقط.
وعامة المالطيين يطبخون الدم ويستبقون إلى أكله ، وكنّا إذا أردنا أن نذبح دجاجة أخذ الذابح دمها وهو لنا من الشاكرين ، وهم وجميع الإفرنج يأكلون السلاحف البحرية وحيوانات أخر ممّا نتقزّز نحن منه.
وقد بلغني أنّ من المالطيين من إذا فجع بشيء فجاءه أكل فأرا أو ضفدعا لإزالة الدهشة ، وكيف كان فإن أخسّ الفلاحين بمالطة يعرف من أنواع الطبيخ ما لا يعرفه
__________________
(٦٩) الصحناة : إدام يتخذ من صغار السمك. (م).
(٧٠) الجاهض : الكبير المرتفع ، أو المنتفخ. (م).