يعمّده (٨٥)، وهم يعمّدون أيضا أجراس الكنيسة جميعها ، وكذا الأجراس الصغيرة التي ينقس(٨٦) بها أمام القربان ، ويقيمون لها كفلاء من الرجال والنساء ممّا عرف بالأشابين ، وقد عمّدوا مرّة جرسا في كنيسة صان باولو ، وكان كفيله الحاكم وزوجته ، لكونه كان كاثوليكيا، ويقولون : إن دعوة الجرس مستجابة ، فأوّل ما يحدث رعد أو برق يبادرون إلى الضرب به.
ويعمّدون المولود من أول يوم ولادته ، ولو كانت في شدّة الزمهرير ، ولا بدّ من أن يكون ذلك في الكنيسة لا في البيوت ، ومن يقف ينظر إلى القربان وهم طائفون به من دون أن يسجد له فقد عرّض نفسه للخطر ، وقيل إنهم قتلوا مرّة رجلا من بحرية الإنكليز وكان قد مرّ بهم ولم يسجد له ، فتناولوه ضربا ووخزا فحمل قتيلا ، ومرّة أخرى وقف بهم أحد ضبّاط العسكر ، وظلّ واقفا فهجم عليه قسيس ورمى بغطاء رأسه فشكاه للحاكم فأخبر الحاكم الأسقف بذلك فحبس القسيس في داره مدّة ، ثم أطلقه ، فذهب القسيس إلى رومية فأكرمه البابا وأعاده إلى الأسقف وأمره بإعلاء درجته ، فلمّا بلغ الحاكم ذلك نفاه من البلد ، ويقولون إن شكل الصليب مخلوق في جثّة كل إنسان ، وذلك بأن يبسط يديه وهو رافع رأسه ، وإن اسم مريم العذراء مرسوم أيضا في كلّ كف فإن خطوط الكف الأصلية تشبه حرف الميم باللاتينية ، ونحو من هذا ما وجدت في بعض الكتب العربية من أن اسم النبيصلىاللهعليهوسلم مكتوب في كلّ جثة ، فإن الميم تشبه الرأس والحاء تشبه الصدر والميم تشبه الصرّة والدال تشبه الساق.
وفي أيام الصيام وفي يومي الأربعاء والسبت لا تصرّح باعة الحليب باسم ما يبيعونه ، وإنّما يقولون : هون تا الأبيض. ولفظة تا محرّفة عن متاع بمعنى صاحب ، كما يستعملها أهل تونس وطرابلس ، وفي غير هذه الأيام يقولون حليب. ومع شدّة تحمسهم هذه فإنّهم يبيعون ويشترون أيام الآحاد والأعياد كما في غيرها ، والديّن منهم من يفتح فيها دكانه إلى الظهر فقط. وقد رأيت كثيرا من مدن إيطالية ولم أر
__________________
(٨٥) يعمّده : يغسله بالماء المقدّس. (م).
(٨٦) ينقس : يصوّت. والمقصود قرع الأجراس أمام القربان. (م).